حالات الوفاة التي تابعها الآلاف من المواطنين البحرينيين والمقيمين ولربما ملايين الناس من الخليجيين والعرب ليلة العيد، جعلتني شخصياً أربط بين ما حدث من قصص موت مؤلمة في تلك الليلة، وبين ما نعيشه في بلادنا في هذه المرحلة الحساسة، لكن على أي حال، ترسخت القناعات لدي كما هي لدى الكثيرين، بأن الخاتمة لأي أزمة أو معاناة أو ظرف صعب لا يمكن أن تكون (الموت والقضاء المبرم) فقط! عدا ذلك، لا نهاية أخرى (مفرحة) مهما كانت أفق الحل.
أعتقد أن الكثيرين منكم استغربوا الإشارة الى وفيات ليلة العيد، جعله الله عيداً سعيداً على الجميع في هذا الوطن قيادةً وحكومةً وشعباً، من نتفق معهم ومن نختلف… من يحبوننا ومن يكرهوننا، لكن الوفيات – حفظكم الله وأطال أعماركم – هي تلك التي اختتمت بها معظم المسلسلات الدرامية الخليجية الرمضانية… معظم الأبطال ماتوا! وعلى الرغم من أن كتاب القصص والسيناريوهات لتلك المسلسلات من ألمع الكتاب الخليجيين، وأبدعوا أيما إبداع هذا العام وفي الأعوام السابقة، لكن لا أدري كيف تواردت الأفكار لأن تنتهي مسلسلات زوارة خميس وشر النفوس في جزئه الثالث وليلة عيد وكريموه وخيوط ملونة كلها بموت الأبطال… اللهم يا كافي الشر يا دافع البلاء! نعم، عالجت تلك المسلسلات قضايا اجتماعية مهمة، بكل تفاصيل المعاناة والمأساة، لكن حرام عليكم يا جماعة تحزنون الناس في ليلة العيد.
على أية حال، وليسمح لي القارئ الكريم أن أنتقل من تلك الصورة إلى إسقاط على وضعنا في بلادنا اليوم، فعلى الرغم من أن الوضع في غاية الحساسية ويتطلب ما يتطلب من حكمة وضبط للنفس وتعقل في الطرح والمعالجة وتقارب لصياغة الحلول بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات ومختلف الفئات الفاعلة من مسئولين وعلماء دين ومثقفين وصحافة وإعلام، لكن من غير المعقول أن تظهر إلى السطح دعوات مبطنة حيناً وظاهرة حيناً آخر لاقتلاع ما حققته البلاد على مدى السنوات العشر الماضية من تحول ملحوظ – وإن بنسب متفاوتة يراها الناس كل حسب وجهة نظره – في الحراك السياسي والاجتماعي وتدرج في الممارسة الديموقراطية، حتى وكأن البعض يتمنى أن تزداد الأوضاع سوءاً ويتوقف مسار التحول الديموقراطي ودولة القانون والمؤسسات، و(قتل) كل مبادرة أو توجه لإصلاح الأوضاع والحفاظ على اللحمة الوطنية والتواصل بين السلطة والناس.
وسواء اختلفنا أو اتفقنا في التفاصيل، فإن من حق الدولة أن تحافظ على الأمن والاستقرار وصيانة السلم الاجتماعي فللدولة هيبة يجب أن تصان، ومن حق كل من تورط في أي ممارسة مخالفة للنظم والقوانين أن يدافع عن نفسه أمام القضاء، نعم، ونقول أيضاً إن من حق كل مواطن يشعر بأن حقوقه انتهكت وتعرض للقمع والتعذيب والتجاوزات أياً كان شكلها أن يطالب بحقه بالأسلوب القانوني السلمي، ومن حق مؤسسات المجتمع المدني أن تنتقد أي إجراءات غير قانونية ومن حق الناشطين الحقوقيين أن يقوموا بعملهم على أكمل وجه مهما كانت المصاعب، لكن ليس من حق أحد أن يحرق ويدمر ويخرب ويشتم ويلعن ويفرض على الكل منهجه العنيف من جهة، وليس من حق أي أحد أن يضع طائفة أو شريحة أو مؤسسات في قفص الاتهام المطلق من جهة أخرى، ولا يحق لأي طرف أن يشكك في مبادرات علماء أو إعلاميين أو شخصيات لحلحلة الوضع، أو يسخر من مواطنين رفعوا شعار: «نحن أهل سلم»، أو يتمنى أن تزال شريحة بكاملها من المجتمع…
صوت الحكمة يجب أن يكون مسموعاً ومحترماً من جانب الدولة ومن جانب منظمات المجتمع المدني التي تمثل حلقة الوصل مع الدولة، ولا يجب أن ننسى بأننا نعيش في مجتمع متعدد، فإذا كان هناك فئة تؤمن بالعنف وبالتخريب وبالإضرار بالدولة والوطن تحت شعار «الحق»، فهناك فئة أو ربما فئات لا تقبل بهذا المنهج وترفض أن يفرض عليها الآخرون ما يجب عليها أن تعمله وترى في ذلك الأسلوب خراباً للبلاد والعباد.
هذه الأوضاع ستزول بعون الله، لكن حري بالجميع أن يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن يكون خطابه وفعاله وصوته نابعاً من مسئولية وطنية، وكلنا ثقة في أن قيادة البلاد الرشيدة، هي أول من يضع مصلحة الوطن على رأس الأولويات