سامي النصف

خطاب واجب التنفيذ

بعد تهنئة صاحب السمو الأمير ـ حفظه الله ـ أبناءه المواطنين والمقيمين بدخول العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، توجه سموه في خطابه السنوي مباشرة لقضية الوحدة الوطنية التي أرساها الآباء والأجداد ويفرط فيها هذه الأيام بقصد أو دونه بعض الأبناء، ومما جاء في الخطاب المهم «ضرورة الوقوف بحزم في وجه كل من يحاول الإساءة للوطن العزيز بإثارة النعرات الطائفية أو القبلية أو الفئوية وبث روح الفرقة والتعصب والتحزب وشق وحدة الصف».

وواضح ان هناك من يستخدم بعض وسائل الإعلام لتفكيك وحدتنا الوطنية، آملا ان ينتهي الوضع بما آل إليه الحال في بعض الدول التي ابتليت بالتناحر الأهلي وهو أكثر ضررا وخطرا من الغزو الخارجي، لذا أتى في خطاب سموه «ضرورة الارتقاء بإعلامنا المقروء والمسموع والمرئي وممارسة دوره المنشود في تكوين الرأي العام المستنير الذي يعزز الولاء للوطن وينشر المحبة بين الناس».

وتظل الكويت بلدا صغيرا وسط منطقة شديدة السخونة مما يحوجنا لأن نعمل جميعا لتحسين صورتنا لدى الآخرين، لذا طلب سموه من وسائل الإعلام «ان تنشر المحبة بين الناس وتسهم في تقوية أواصر الإخاء والصداقة والتعاون بين الكويت والدول الشقيقة وتجنب كل ما يعكر صفو العلاقات مع هذه الدول أو الإساءة اليها».

وجريا على عادة الكويت في تقديم الدعم للدول الصديقة والشقيقة، وكتنويه بأعمال الخير التي قام بها المواطنون والمقيمون أتى في الخطاب «أن الكويت سارعت كعادتها في مواجهة الكارثة الإنسانية فقدمت جميع المساعدات الممكنة لجمهورية باكستان الإسلامية وقامت بفتح باب التبرعات حيث تسابق المواطنون والمقيمون في تقديم العون والمساعدة».

وكان جميلا أن يستذكر سموه من سبقه وعمل معه من حكام وقادة، لذا أتى في الخطاب «نستذكر في هذه الأيام الطيبة المباركة بالإجلال والتقدير والعرفان أميرنا الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح وأميرنا الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح طيب الله ثراهما وأسكنهما فسيح جناته، سائلين المولى العلي القدير ان يرحم شهداءنا الأبرار وموتانا جميعا ويعلي منازلهم في جنات النعيم، انه سميع مجيب».

ان خطاب والد الجميع يحتاج الى ان يتحول الى منهاج وبرنامج عمل نلتزم به جميعا، فلم يأت الضرر ويحل الشرر وتدمر البلدان الآمنة الا من اعمال ضرب الوحدة الوطنية التي تفرق بين الشقيق وشقيقه، والاستخدام غير المسؤول لوسائل الإعلام.. فالحذر الحذر.

احمد الصراف

ما يكل وماج فلادارس

سبق ان كتبت أن عملي في البنك في ستينات القرن الماضي كان نقطة فاصلة في حياتي، ولهذا اضطر أحيانا للرجوع لتلك الفترة للنهل منها، وأستميح القراء عذرا إن كان في هذا التكرار ما يزعجهم ولا أريد هنا أن أبدو كصاحبنا المؤرخ الذي كان دائم الإشارة لجدته قبل الدخول في أي حديث أو قصة تاريخية!
***
كان «مايكل فلادارس» مديرا لي في بداية عملي في البنك، وكان شخصا لطيف المعشر دمث الخلق، ويختلف إلى حد كبير عن الصورة النمطية للموظف الهندي، حيث كان عالي الصوت دائما وصاخبا في عمله، وكان ذا اطلاع واسع بما كان مسؤولا عنه وبالحياة عامة، وكان لديه دائما كم من الروايات التي كان يسعد بسردها عن تجاربه ورحلاته حول العالم. وكانت زوجته «ماج» تعمل في وظيفة مرموقة في السفارة الأميركية وقتها، وقد ساعدتها وظيفتها في مرحلة لاحقة في الحصول على الجنسية الأميركية والهجرة وأسرتها لأميركا، حيث انقطعت أخبارهم عنا منذ ذلك الحين، وربما يكون فلادارس الآن في منتصف الثمانينات من عمره، إن كان لا يزال على قيد الحياة.
اسم فلادارس برتغالي، وربما اكتسبته أسرته من أيام استعمار البرتغال لمناطق واسعة من جنوب الهند مثل «جوا». كان يبدي اهتماما خاصا بتدريبي وتمضية وقت وجهد في شرح عمليات البنك المعقدة لي. وفي يوم استضافني في بيته لتناول العشاء، ولا أزال أتذكر تحذيره لأبنائه من الإفراط في تناول الزبدة، وهي النصيحة التي أعمل بها حتى اليوم، وقد شكرته كثيرا على تكريمي بمشاركة عائلته عشاءهم.
كان فلادارس يحب الحياة والحديث عن أسفاره، وكان يبدأ قصصه خلال فترات الاستراحة، أو بعد إغلاق أبواب البنك للعملاء، بسؤالي عما إذا سبق ان زرت المدينة التي ينوي الحديث عنها في ذلك اليوم، وكنت وقتها لم أزر غير العراق وإيران ولبنان، وبالتالي كان جوابي دائما بالنفي، وهنا كان ينطلق في الحديث عن رحلته إلى النمسا أو سان فرنسيسكو أو دزني لاند أو لندن ومغامراته وذكرياته في كل منها! وفي يوم ما، وهو مستطرد في سرده، قاطعته متسائلا عن عمره ففوجئ بسؤالي وقال بتردد: 45 عاما! فقلت له بكل هدوء انني أصغر منه بربع قرن، وعندما أصبح في عمره سأكون قد زرت أضعاف ما قام بزيارته من مدن ومعالم! ففغر فاه، لا أدري مستغربا أو مستنكرا، ولم يقل شيئا ولم يكمل روايته، ولا أعرف ما الذي كان يفكر فيه وقتها، ولكن علاقتنا أصبحت بعدها أكثر ندية وفسرت سكوته بأنه ربما صدم من ذلك الفارق بين عمرينا، أو ربما شعر بأنني على حق، أو أنه اعتبرني فظا، وصريحا أكثر من اللازم.
تذكرت تلك القصة وأنا أقرأ عن أن احدى علامات التقدم في العمر هي عندما نشعر بأننا نعرف الكثير عن الحياة، وفي هذه اللحظة بالذات يتوقف الآخرون، من أصدقاء وأبناء بسؤالنا عن أي شيء، لأنهم أصبحوا هم كذلك يعرفون الشيء الكثير عن الحياة!
الخلاصة أن الكبر يصبح أمرا متعبا، وأحيانا، مثيرا للشفقة إن لم نحتط له بجميل الذكريات وعديد الصداقات والمحافظة على الصحة والإكثار من الآهات، فلا حياة من غير فضول وبهجة وحب ودهشة!

أحمد الصراف