الحاخام اليهودي الذي دعا على الزعماء العرب بالطاعون، وتحدثت عنه في مقالتي الماضية فقلت: «يبدو أن جذوره عربية»، تبيّن فعلاً أن جذوره عربية، على ذمة رسالة من أحد القراء، وأنه عراقي بصراوي، تنقل ما بين مصر والعراق قبل أن يستقر في فلسطين المحتلة. الله يغربله.
الجينات العربية في الغالب تعلق بثوب صاحبها، وحتى لو ذهب إلى أستراليا أو تشيلي لَبَقِيَتْ الجرثومة العربية متشبثة بدماغه. وقريبنا الحاخام البصراوي رغم أنه يعيش في إسرائيل، الدولة المتطورة طبياً، لم يدعُ على أعدائه بتليّف خلايا الدماغ مثلاً، أو بأي مرض اكتُشف حديثاً، بل دعا بالطاعون، لأنه مرض مذكور في تراثه الديني.
ما علينا… سابقاً كانت قبائل جزيرة العرب تتعمد اختيار أسماء مرعبة لأبنائها خوفاً من الحسد، فتجد «حديحيد وجعيشان وقريشيع وفجيحي وهضيبان وطنيقر وسحيلي وقنيبر…»، والأخير هو أحد أجدادي الأفاضل، ولو أنك أعدت النظر وركّزت قليلاً لاكتشفت أن «ياء التصغير» تنتشر في غالبية الأسماء، من باب التدليع والتغنيج، فـ»قريشيع» هو اسم الدلع لـ»قرشع» أو «قرشيع»، و»طنيقر» اسم الدلع لـ»طنقر». ولا أدري كيف كانت زوجاتهم يدلعنهم في لحظات التجلّي، وبالذات الأخ حديحيد… يا حدحودتي؟ كارثة.
على أن المصريين وبقية العرب ليسوا عنا ببعيد، فجولة واحدة على أسماء لاعبي منتخب الجزائر الذين شاركوا في كأس العالم ستجعلك تشعر بالشفقة تجاه «قريشيع» وأشقائه. وفي مصر كان معنا أثناء الدراسة مجند يحمل شهادة الدبلوم، رُزق بولد فأسماه «النص»، ليش؟ سألته، فاجاب: «أمّال عايزني أسميه تامر أو رامي أو أي اسم ناعم؟ أنا عايزه يطلع راجل خشن، والبداية من اسمه»! لكن رحمة ربك دفعت الهيئة المسؤولة عن شهادات الميلاد إلى رفض الاسم وأجبرت الأب على تغييره.
ويقول الوالد رحمه الله: كنت في منتصف عمري (توفي عام 2005 بعد أن بلغ نحو مئة عام)، عندما أُبلغت بمرض خالي «زنيفر» رحمه الله، الذي يقطن في الجهراء، فأتيت لنقله بسيارتي إلى المستشفى، إذ لم يكن في عائلتنا من يمتلك سيارة سواي… وفي المستشفى، قلّب الطبيب أوراق خالي، وارتدى نظارته الطبية مذهولاً وتمعّن في الأوراق، ثم خلع نظارته وأخذ يحدّق بنا، ثم ارتدى نظارته وراح يتمعّن في الأوراق ويحدّق بنا فاغراً فاه، ثم خلع نظارته وسألني بلهجته المصرية: «المريض اسمه ايه؟ زنْيَفَر؟»، فصححت له: «زنيفر»، فهمهمَ: «ليه بس، هيّه الأسامي بقت بفلوس؟» (الترجمة المصرية من عندي أنا، إذ نقل الوالد الرواية بلهجته)، فبرّر الوالد خجلاً: «أجدادنا كانوا يعتقدون واهمين أن الأسماء الصعبة تبعد الجن، ومنهم توارثت الأجيال هذه الأسماء»، فسأله الطبيب: «وانت اسمك ايه؟»، يقول فأجبته: «عايض»، فهز الطبيب رأسه غاضباً: «أستغفر الله العظيم، ايه ده، زَنْيَفر وعايض، وامبارح كان عندي واحد اسمه بعيجان وواحد اسمه شلْيَويح، ووو، دي أسماء كوارث مش بني آدمين، وكله كوم وشحيبر كوم لوحده»، وراح الطبيب مستنكراً يعدد الأسماء الغريبة التي واجهها في الكويت. يقول الوالد فسألته بصوت كسير: «وأنت ما اسمك؟»، يقول فأجابني بزهو: «رفعت»، فصرخت في وجهه: «آبو لحيتك، توقعت أن اسمك (إبراهيم باشا)، أو أي اسم آخر فخم، فإذا أنت (رفعة)! على الأقل أسماؤنا أسماء رجال أما أنت فاسمك على اسم جدتي، يا رخمة».