محمد الوشيحي

الدكتور رفعة

الحاخام اليهودي الذي دعا على الزعماء العرب بالطاعون، وتحدثت عنه في مقالتي الماضية فقلت: «يبدو أن جذوره عربية»، تبيّن فعلاً أن جذوره عربية، على ذمة رسالة من أحد القراء، وأنه عراقي بصراوي، تنقل ما بين مصر والعراق قبل أن يستقر في فلسطين المحتلة. الله يغربله.

الجينات العربية في الغالب تعلق بثوب صاحبها، وحتى لو ذهب إلى أستراليا أو تشيلي لَبَقِيَتْ الجرثومة العربية متشبثة بدماغه. وقريبنا الحاخام البصراوي رغم أنه يعيش في إسرائيل، الدولة المتطورة طبياً، لم يدعُ على أعدائه بتليّف خلايا الدماغ مثلاً، أو بأي مرض اكتُشف حديثاً، بل دعا بالطاعون، لأنه مرض مذكور في تراثه الديني.

ما علينا… سابقاً كانت قبائل جزيرة العرب تتعمد اختيار أسماء مرعبة لأبنائها خوفاً من الحسد، فتجد «حديحيد وجعيشان وقريشيع وفجيحي وهضيبان وطنيقر وسحيلي وقنيبر…»، والأخير هو أحد أجدادي الأفاضل، ولو أنك أعدت النظر وركّزت قليلاً لاكتشفت أن «ياء التصغير» تنتشر في غالبية الأسماء، من باب التدليع والتغنيج، فـ»قريشيع» هو اسم الدلع لـ»قرشع» أو «قرشيع»، و»طنيقر» اسم الدلع لـ»طنقر». ولا أدري كيف كانت زوجاتهم يدلعنهم في لحظات التجلّي، وبالذات الأخ حديحيد… يا حدحودتي؟ كارثة.

على أن المصريين وبقية العرب ليسوا عنا ببعيد، فجولة واحدة على أسماء لاعبي منتخب الجزائر الذين شاركوا في كأس العالم ستجعلك تشعر بالشفقة تجاه «قريشيع» وأشقائه. وفي مصر كان معنا أثناء الدراسة مجند يحمل شهادة الدبلوم، رُزق بولد فأسماه «النص»، ليش؟ سألته، فاجاب: «أمّال عايزني أسميه تامر أو رامي أو أي اسم ناعم؟ أنا عايزه يطلع راجل خشن، والبداية من اسمه»! لكن رحمة ربك دفعت الهيئة المسؤولة عن شهادات الميلاد إلى رفض الاسم وأجبرت الأب على تغييره.

ويقول الوالد رحمه الله: كنت في منتصف عمري (توفي عام 2005 بعد أن بلغ نحو مئة عام)، عندما أُبلغت بمرض خالي «زنيفر» رحمه الله، الذي يقطن في الجهراء، فأتيت لنقله بسيارتي إلى المستشفى، إذ لم يكن في عائلتنا من يمتلك سيارة سواي… وفي المستشفى، قلّب الطبيب أوراق خالي، وارتدى نظارته الطبية مذهولاً وتمعّن في الأوراق، ثم خلع نظارته وأخذ يحدّق بنا، ثم ارتدى نظارته وراح يتمعّن في الأوراق ويحدّق بنا فاغراً فاه، ثم خلع نظارته وسألني بلهجته المصرية: «المريض اسمه ايه؟ زنْيَفَر؟»، فصححت له: «زنيفر»، فهمهمَ: «ليه بس، هيّه الأسامي بقت بفلوس؟» (الترجمة المصرية من عندي أنا، إذ نقل الوالد الرواية بلهجته)، فبرّر الوالد خجلاً: «أجدادنا كانوا يعتقدون واهمين أن الأسماء الصعبة تبعد الجن، ومنهم توارثت الأجيال هذه الأسماء»، فسأله الطبيب: «وانت اسمك ايه؟»، يقول فأجبته: «عايض»، فهز الطبيب رأسه غاضباً: «أستغفر الله العظيم، ايه ده، زَنْيَفر وعايض، وامبارح كان عندي واحد اسمه بعيجان وواحد اسمه شلْيَويح، ووو، دي أسماء كوارث مش بني آدمين، وكله كوم وشحيبر كوم لوحده»، وراح الطبيب مستنكراً يعدد الأسماء الغريبة التي واجهها في الكويت. يقول الوالد فسألته بصوت كسير: «وأنت ما اسمك؟»، يقول فأجابني بزهو: «رفعت»، فصرخت في وجهه: «آبو لحيتك، توقعت أن اسمك (إبراهيم باشا)، أو أي اسم آخر فخم، فإذا أنت (رفعة)! على الأقل أسماؤنا أسماء رجال أما أنت فاسمك على اسم جدتي، يا رخمة».

احمد الصراف

العناق اليهودي المسيحي القاتل

لا يمكن التطرق للقضية الفلسطينية دون شجون ومشاعر متضاربة. ومهما حاولنا إيجاد مبرر لسلبية غالبية مثقفي الأمة من القضية، مقارنة بإيجابية مثقفي الغرب، فلن نصل الى نتيجة، غير أن الأمر جزء من تخلفنا الذي جعلنا عاجزين عن الاهتمام بقضايانا فما بالك بقضايا غيرنا! والغرب، الذي يكره الكثيرون مثُله ويحتقرون طريقة تفكيره، يعج بمئات «الإنسانيين» الذين أثروا حياتنا بمواقفهم وملأوها أملا، بعد أن فشلنا في التصدي لقضايانا والدفاع عنها، وكان الفضل دائما لمثقفي الغرب ووسائل إعلامه في كشف وتسليط الضوء على الجرائم اللاإنسانية التي ارتكبناها بعضنا في حق بعض من مجازر المخيمات الفلسطينية وقبلها معارك وأحداث الحرب الأهلية اللبنانية، وقتل سكان حلبجة بالغازات السامة، وما قاسته وتقاسيه المرأة والطفل في غالبية دولنا، من أفغانستان وباكستان وصومالستان ويمنستان على يد طغم متعطشة للدماء، والتي رفضت غالبيتنا حتى الحديث عنها.
من هؤلاء الإنسانيين الناشط السياسي اليهودي الأميركي مارك برافرمان (Mark Braverman) الذي ولد في القدس لعائلة تعود جذورها لخمسة أجيال في فلسطين، وهاجر في شبابه لأميركا حيث درس التقاليد اليهودية والإنجيل والأدب العبري والتاريخ اليهودي. وبسبب خلفيته الأكاديمية كرس وقته لتقديم النصح والعلاج لمن سبق أن تعرض لضغوط نفسية كبيرة نتيجة أحداث مرعبة وقعت له. وقادته اهتماماته الإنسانية عام 2006 لإسرائيل وهناك صدم لسوء أوضاعها الأمنية، وما يتعرض له دعاة السلام من أذى، وقرر تكريس جهده ووقته للتخفيف من حدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن أجل ذلك شارك في تأسيس وإدارة جمعيات ولجان خيرية تهتم بشكل أساسي بتأييد حقوق الفلسطينيين في أراضيهم وبالتعايش السلمي بين الشعبين ومعارضة سياسة هدم المنازل. وقام اخيرا، ومن واقع تجاربه في ميادين محاربة العنصرية والدعوة للسلام، بتأليف كتاب «العناق القاتل» الذي لخص فيه نظريته في كيفية تحقيق السلم بين الفلسطينيين والإسرائيليين عن طريق إنهاء حالة العناق المميتة بين الإسرائيليين ومسيحيي الغرب، وأميركا بالذات! ويقول برافرمان ان فكرة الكتاب خطرت له بعد صدمته بما كان يحدث في فلسطين التاريخية صيف ذلك العام، وكيف قام شعبه بمصادرة أملاك الفلسطينيين وقتلهم وتشريدهم وتوجيه مختلف الإهانات لهم باسم المحافظة على أمنه كيهودي، وإن السلام لن يأتي أبدا وعائلته لن تشعر بالأمان في إسرائيل، وبالتالي فإن شعبه مطالب بالتوقف والتفكير في ما يحدث من ظلم واعتداء على الفلسطينيين، وإنه عندما عاد لوطنه أميركا اكتشف أن لا أحد من أهله ومعارفه من اليهود يود سماع شيء عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأنه معاد لقومه وأن دعوته ستؤدي لمحرقة جديدة، ودفعه هذا للتشكيك في أسس الصهيونية ومشاريعها وهو الذي تربى على الإيمان بها وتشرب مبادئها طوال حياته. ولكنه اكتشف، عندما انتقل للحديث عما يقلقه من الوضع في إسرائيل، أن رواد الكنائس المسيحيين أكثر تقبلا لما كان يروج له ووجد لديهم آذانا صاغية وتجاوبا وإيمانا بضرورة مناصرة حقوق الفلسطينيين المدنية ووقف طردهم من بيوتهم وتشريد المزيد منهم، ولكنه واجه معضلة تتعلق بموقف هؤلاء المسيحيين من اليهود، حيث تبين له أن لديهم ما يشبه عقدة الذنب تجاه اليهود، وأنهم في مهمة مقدسة وذات هدف وبعد عاطفي واضح يتمثل في ضرورة وقف معاناة اليهود المستمرة منذ ألفي عام، والتي أدت الى الهولوكوست، والتكفير عما ارتكب بحقهم من جرائم من خلال الوقوف بجانبهم في كل قضاياهم! وبالرغم من نبل هذا الهدف واتفاقه شخصيا معهم فيه، فإنه اكتشف في المقابل أن من الصعوبة توجيه أي نقد لإسرائيل أمام هؤلاء، وان السلام لن يستتب بين الشعبين بغير قيام إسرائيل بالتصرف بعدالة وإنصاف الفلسطينيين انصافا كاملا، وهذا ما لا يستطيع الأميركيون بغالبيتهم قبوله، بالرغم من أنه كان يقول لهم انه يهودي وإن جده ولد في فلسطين وانه يحب إسرائيل ونصف عائلته يعيشون فيها، وانها مكان رائع للعيش، لكن قلبه ينفطر لرؤية ما يحدث فيها من ظلم، وإذا كانوا كمسيحيين مؤمنين يريدون الخير لإسرائيل فعليهم التخلي عن عناقها وتقبل فكرة انتقادها ومطالبتها بوقف ظلمها وتعسفها مع الشعب الفلسطيني، فهذا العناق الذي طالما ربط المسيحي الأميركي واليهودي هو عناق قاتل وسيتسبب لا محالة في موت أحد طرفيه أو كليهما في نهاية الأمر.
الكتاب شائق ويستحق القراءة ويمكن الاطلاع عليه من خلال الرابط التالي:
http://books.google.com/books?id=xoAcz1N2oOsC&printsec=frontcover&dq=mark+braverman&source=bl&ots=MRXB7KJ

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

تلك الوجوه… تلك السماحة

 

قد ينجرف الإنسان انجرافاً عاتياً شديداً وهو يطالع بعض فقرات تلفزيونية أو يتصفح بضع منتديات إلكترونية، أو يقضي وقتاً في مطالعة صحف يومية، فيكون أمام ثلاث صفات من المشاعر: إما الخوف والقلق، وإما الحسرة والأسى والثالثة هي الفرح والسرور بما يشاهد ويطالع ويقرأ من (جنون) معنون بعنوان حب الوطن وهو خطأ فادح.

اترك عنك يا عزيزي كل تلك المظاهر الكاذبة، فالوجه للوجه أبيض كما يقال في الأمثال، لأنك إن أردت أن ترى وجوهاً بحرينية حقيقية عليها سيماء السماحة والمحبة والصدق والإخلاص، فعليك أن تكون حاضراً في المجالس الرمضانية التي يجتمع فيها الناس، وهم في حالهم ذاك، لا يمكن أن تغيب عنهم أمور البلد وشئونه وشجونه وهم يعيشون تطورات مذهلة يوماً بعد يوم… لكنك لن تسمع منهم إلا الرأي الحكيم الصائب والكلمة الطيبة والطرح العقلاني.

ولربما كانت أمور أخرى تجري في مجالس ما اعتاد عليها أهل البحرين… تلك المجالس المتسترة وراء العديد من الستائر قد تكون فرحة للغاية بما يجري في البلد… ليس على صعيد تطبيق القوانين والحفاظ على هيبة الدولة، بل على صعيد ملأ الأرض طولاً وعرضاً بالكثير الكثير من الافتراضات والتخيلات والأكاذيب، وكأنما الدولة، تصدق كل ما هب ودب… شرقاً أو غرباً.

على مدى الأيام القليلة الماضية، لاحظت كما لاحظ غيري أن شعب البحرين الأصيل لا يمكن أن يتلون حين يكون أمام (بعضه البعض) وجهاً لوجه… قد تتغير الوجوه وراء الأسماء المستعارة قطعاً في المواقع السيئة الذكر، وقد تختفي ملامح الخلق فيما يحاك هنا وهناك للإضرار بالوحدة الوطنية، لكن لا يمكن للناس الذين يتصافحون ويتعانقون ويتبادلون الدعاء بنيل ثواب الشهر الفضيل، إلا أن يكونوا صادقين فيما يقولونه لبعضهم البعض ولقيادتهم ولوطنهم… هذا الوطن، لا يتحمل المزيد من الطعنات الخفية، أياً كانت اليد التي وجهتها.

خلاصة القول، ستذهب كل الحملات المغرضة والموجهة للنيل من تماسك المجتمع البحريني سدى… ربما انتشى البعض وشعر بالفرح لوجود شعور عارم بأن المجتمع البحريني بدأ يأكل بعضه بعضاً… لكنّ ذلك شعور ينتاب كل شخص لا يعرف من هم أهل البحرين.