تعقيبا على المقال الذي كتبته قبل أيام عن البنك البريطاني، أرسل الصديق الكريم عبدالحميد المزيدي الرد التالي: عزيزي أبو طارق. أثار مقالك المنشور في القبس (27 ـ7) الكثير من الشجون لدي. وقبل أن أعلق على مسيرة بنك HSBC يدفعني الحنين إلى الماضي للتطرق الى ما كنا ـ والدك عبدالله وأنا ـ نقوم به، حيث كنا نعمل عند والدينا، جاسم الصراف ومنصور المزيدي، في محل لصرافة التجزئة وإجراء صفقات العملات، بمقاييس أربعينات القرن الماضي. وفي غياب العملات الورقية وقتها، كنت أقوم ووالدك بتسليم المباع من العملات المعدنية كالريال السعودي والفرنك الفرنسي والدراخما الأسباني والتومان الإيراني، لمشتريها ونقبض ما يقابلها من العملة المحلية وهي الروبية الهندية آنذاك وهي أيضا قطع معدنية. وكنا نعبئ المسكوكات في أكياس من الخيش أو الكتان السميك، وكان كل كيس يستوعب بين ألفين إلى ثلاثة آلاف قطعة معدنية، وكنا نحملها ـ المشتري أو البائع ـ لتسليمها واستلام غيرها، وهكذا طوال اليوم. والطريف أن الأخ عبدالله كان ماهرا في عد العملات المعدنية، فعندما كان يضع يده على «كمشة» أو عدد من هذه العملات نجد أنها دائما عشرين قطعة! ونعيد تأكيد العد بعد تفريغها من يد إلى أخرى وبإيقاع أشتاق لسماعه اليوم، وكان كل إيقاع بأربع قطع معدنية، وكل خمسة إيقاعات منها تبلغ العشرين ثم نضعها بجانب بعضها في إناء خاص معد لذلك، بواقع خمس أكوام أو مجموعات لنحصل في النهاية على مائة قطعة، وهكذا يجري العد بسرعة وسهولة! وفي أحد الأيام، وبعد أن سلمنا أكياس العملات المعدنية الثقيلة لأحد التجار، طلبوا منا العودة إليه واستعادتها منه، فاستغربنا الطلب، وكانت أعمارنا وقتها لا تزيد عن 15 سنة، وهنا شرحوا لنا بأنهم قاموا بإعادة شراء تلك العملات لمن سبق أن بيعت لهم، وهكذا عدنا لاسترجاع تلك الأكياس الثقيلة دون أن نفقه معنى كلامهم! وبعد فترة فهمنا أن بعض الصرافين، مثل محلنا ومحلات الصيرفة الأخرى كالمزيني والطخيم والغربللي وغيرهم، تردهم برقيات من البصرة والرياض وإيران بأنباء تقلب العملات وتغير قيمها، وبالتالي يسبق هؤلاء غيرهم بالبيع أو الشراء لتوافر المعلومات لديهم. وهذا يذكرنا بأن ما يجري الآن من تدوير للصفقات، بيعا وشراء، بهوامش ربح أو خسارة ضئيلة جدا أمر عادي، ليس وليد هذا الزمان بل هو قديم.
نعود لبنك HSBC، أو البريطاني، الذي استعرضت قصة تأسيسه، والبلدان التي حل بها مرة كضيف مُعزز، ليصبح بعدها منبوذا فيطرد، حيث كان أول مقر له في الكويت بالقرب من مقهى «قاصد خير» في منطقة المباركية، وكانت مساحته لا تزيد عن 50 متراً، وعدد موظفيه أقل من 20. ولو قارنا الحاضر بالماضي نجد كم تغير الزمن، بعد أن أصبحت العملات ورقية، لا بل رقمية تحول من حساب إلى آخر بلمح البصر. وأصبح إصدار العملات غير مقتصر على الدول بل حتى الأفراد بإمكانهم إصدار مبالغ محددة مقابل أرصدة لهم، علما بأن جميع عملات العالم لها تغطية محددة من الذهب والعملات الأخرى، إلا أميركا التي تنفرد بأنها تُصدر عملتها بلا رصيد أو غطاء فعلي، والطريف أن أكثر الناس ثقة بالدولار هم أكثرهم انتقادا لسياسة أميركا… عجبا!!
***
ملاحظة: بناء على الطلب المتزايد، ونظرا لنجاح العرض الأول من مسرحية «عمر الخيام» الغنائية، التي لم يتسنَّ للكثيرين مشاهدتها، قررت «لوياك» إعادة العرض يومي السبت 31-7 والأحد 1-8، في السابعة مساء على مسرح المدرسة الأميركية، شارع المثنى، حولي. والدعوة عامة.
أحمد الصراف