تواضعوا قليلاً، تمهلوا كثيراً، لا نطلب الكثير ولا المستحيل، نريد منكم يا قادتنا الأكارم بعض البساطة حين تسوقون علينا بضاعتكم، وهي سلعة الوهم واللامعقول! خبران طالعتنا بهما جريدة "الجريدة" قبل يومين، الأول يتحدث عن مدينة الحرير، وكتب بالمانشيت العريض، وجاء به حرفياً "المشروع… يشتمل على أربع مدن رئيسية: المال والتسلية والترفيه والثقافية والبيئية"، ووضع المحرر "قوسين" صغيرين حول كلمتي التسلية والترفيه…! وسرح الخيال و"شطح" طويلاً عن الليالي الوردية القادمة بإذن الله في عوالم التسلية والترفيه في أكوان مدن الحرير الكويتية، إلا أن الخبر الثاني صفعني وأصحاني من خدر الحلم الجميل، وليس هذا بجديد علينا في ديرة التزمت والدين والعادات والتقاليد، فقد اعتدنا "طراقات" فقهاء مجلس الأمة ومحتسبة الحكومة، الأولون يصفعوننا بحرياتنا الخاصة، والآخرون بحرياتنا العامة، ونحن آخر الأمر محشورون بين الاثنين، ويا لها من حشرة ثقيلة على الروح…! الخبر الآخر، يقول إن لجنة الداخلية والدفاع قررت السماح للعسكريين بإطلاق اللحى…! هكذا انتهت قضية الضبط والربط للعسكريين، وانتهت معها تكنولوجيا الأمن والدفاع التي يفترض أن تكون من إطلاقات حكومة المحتسبة دون معقب، لتختم بقرار حرية إطالة اللحية وفق مقاييس الحداثة الكويتية… شكراً للجنة الداخلية والدفاع في دفاعها العظيم عن الحريات الكبرى.
وفي اليوم التالي فتحت رسالة من "كويت نيوز" على الموبايل تقول إن وزارة الشؤون قررت منع الرجال من العمل في المحلات التي تقدم خدمات إلى النساء…! ما المقصود بالمحلات التي تقدم خدمات إلى النساء وكيف نفهمها… لا أدري… لكن يمكنكم سؤال أهل الذكر في وزارة الشؤون فهم "أبخص" في نوع الخدمات المقصودة بالحظر. أليست هي الوزارة ذاتها التي أخبرني الهندي سانتان "مخلص" معاملات المكتب الذي أعمل فيه أنه وقف منتظراً قبل الساعة السادسة صباحاً عند قسم إثبات تحويل الرواتب للمقيمين بقصد تجديد أو تحويل الإقامة، فوجد هناك بشراً ينتظرون دورهم من الساعة الخامسة فجراً، والموظف المختص بتوزيع كروت أرقام الدخول يأتي الساعة السابعة والنصف… فلينتظر سانتان ولينتظر غيره الساعات الطويلة في الحر الملتهب… فهذه الوزارة مثلها مثل أخواتها من وزارات دولة مدن الحرير تعلم الناس قراءة أدب "صمويل بيكت" وأبطاله في مسرحية "بانتظار غودو"، وهذا العم "غودو" لم يأت ولم يشاهده أبطال المسرحية العبثية كعبث مدينة الحرير وكملهاة مدن "المال"، كما تخبرنا بها أحوال البلد المالية في البورصة، ومن بعد هناك مدينة التسلية والترفيه"، وهي ما نتجرع كؤوسها المرة في كل لحظة بهجة تمضي في الدولة رقم 23 في مقياس السعادة…! أما مدينة "الثقافة والبيئة" فلنتركها لثقافة المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون ولجنة الرقابة على الكتب في معارض الكتاب ومسرحياتنا التي تتنفس في الخارج، أي خارج هيمنة ملالوة قندهار الخليج، وما يخص مدينة البيئة فألقوا بحملها على محطة مشرف لضخ مياه المجاري في البحر، ودعوها لشواطئ النظافة والمهملات الورقية والفحم الذاوي بعد حفلات الشواء على سواحلنا… ومنها "يا ساحل الفنطاس ويا ملعب الغزلان" والله ترحم الراحل غريد الشاطئ.
شكراً نقولها لكم مرة ثانية وثالثة على حلم مدن الحرير، كل ما نتمناه منكم فقط هو بعض الصراحة والواقعية في ما تصرحون وتتفوهون به عن جناتنا القادمة… لا نريد منكم أن تعدونا بمدن الحرير، وإنما تكلموا عن مدن التدبير… ندري أننا كنا وسنظل على "اطمام المرحوم" فارحمونا يا جماعة وعسى الله يرحمكم.
اليوم: 29 يوليو، 2010
أسعف المسعفين يا د. هلال
تعتبر وظيفة المسعف مهمة وحيوية وهي شديدة الارتباط بخدمة الطوارئ الطبية، ولكن في بلادنا الواسعة بجهلها لا ينظر لها كذلك، حالها حال الكثير من المهن المهينة!! فوظيفة المسعف أو الــ Paramedic التي تسبق دخول المريض إلى المستشفى والتي قد يتأثر بها المصاب بشكل جذري لا تحوز على أي اهتمام من الوزارة بالرغم من خطورتها، وأتذكر أن رجل أعمال كويتيا تعرض لحادث خط.ر في طريق صحراوي بمصر تبرع لطوارئ الإسعاف فيها بمبلغ ضخم لإنقاذهم حياته! وفي الدول الغربية والتي تحترم نفسها يتم التعامل مع وظيفة المسعف بجدية كبيرة، فعلى حامل اللقب اجتياز اختبارات وتدريبات صعبة. كما تتطلب الوظيفة قوة أعصاب وسرعة في اتخاذ القرار وقوة بدنية مناسبة، وهذه جميعها لا تقل عما هو مطلوب من المجاز في التمريض. ولكن في بلادنا حتى سائق سيارة الإسعاف يمكن اعتباره مسعفا إن نال قسطا ولو بسيطا من التدريب الميداني. ففي الكويت على سبيل المثال، وهي الثرية نقدا، نجد أن العمل في وظيفة مسعف لا يحتاج عادة الى معرفة أي شيء عن طريقة التعامل مع الكسور ولا قضايا التوليد ولا العلاقات العامة ولا الأعصاب ولا حتى الإسعافات الأولية، دع عنك العلوم الباطنية وإعطاء الحقن الوريدية والتعامل مع التخدير وغيرها، فمن يعمل في خدمة طوارئ الإسعاف في الكويت يكتشف خلال ساعات فقط أن المسعفين بغالبيتهم لا علاقة لهم بـ«علم الإسعاف» فهم إما فنيو أشعة أو طباخون وإما سائقو مركبات بارعون في القيادة السريعة، من دون شهادات ولا خبرات. كما يفتقدون بغالبيتهم اللياقة البدنية أو كيفية التعامل مع الكسور والجروح الخطرة التي تتطلب التعامل معها قبل الوصول إلى المستشفى أو غرفة العمليات من نقل دم وإعطاء أكسجين! ولهذا تمنع وزارة الصحة المسعفين من القيام بالكثير مما هو مطلوب من المسعف المحترف، وبالتالي يقتصر دورهم على الوصول لمكان الحادث أو بيت المصاب ونقله للمستشفى، وهو وحظه، يموت أو يصل نصف سالم، ولم يصدر هذا المنع من الوزارة عبثا بل بسبب الأخطاء القاتلة أحيانا التي ارتكبها الكثير من المسعفين غير المجازين من دون فهم وعلم.
ويشتكي المسعفون المرخصون بجدارة من وضع سيارات الإسعاف التي تصلح لكل شيء إلا لمهامها الخطرة بسبب وضعها المتهالك وقدم ما فيها من معدات. كما أن نظام حفظ المواد في المراكز عديم الفائدة بسبب قدمه، ولا يمتلك أي مركز نظام «الجي بي اس» والذي يمكن عن طريقه الاستدلال على أسهل الطرق وأقصرها للوصول الى موقع الحادث بسبب عدم وجود ميزانية لمثل هذا الأمر ضمن الــ37 مليار دينار الخاصة بخطة التنمية.
وبسبب نظام العمل في المراكز على مدار الــ 24 ساعة فإن أماكن عمل المسعفين مثيرة للتقزز بسبب قذارتها لأن كل شيء فيها يستخدم من قبل 3 شفتات، أو دورات عمل، في اليوم الواحد. ويتطلب الأمر بالتالي توفير خدمة تنظيف أكثر فعالية.
نتمنى على السيد وزير الصحة، د. هلال الساير، القيام بزيارات ليلية مفاجئة لبعض مراكز الإسعاف ونحن على ثقة بأنه سيشعر، كطبيب، بحزن شديد على سوء أوضاعها.
أحمد الصراف
أب كريم اسمه… عيسى قاسم
كنت أشق مع ولداي الطريق للوصول الى جامع الدراز… ولعل هبات باردة جميلة طيبة، بطيبة تراب مملكة البحرين الغالية، كانت تستقطب ولداي (محمد وعلي) وغيرهما الكثير من الصغار والناشئة والشباب، حتى لتجد الطابق العلوي من الجامع يعج بالعشرات، إن لم يكن بالمئات حتماً، من هذه الفئة… إنها الهبات الطيبة التي تنعش عقولهم وأفئدتهم تلك القادمة من أب كريم اسمه الشيخ عيسى بن أحمد قاسم.
من يريد أن يعيش هذه اللحظات على حقيقتها، فليس عصياً عليه أبداً أن يعيشها يوم غد الجمعة.
الشيخ يمثل في الحقيقة حالة بحرينية خالصة صادقة في خدمة الوطن، وأما من يقول غير ذلك، ممن ملأوا الصحف والخطب والمواقع الإلكترونية بالأكاذيب الحاقدة والافتراءات الفاسدة، فهم تماماً كأولئك الذين قالوا إن الخطر قادم قادم… حتى بعد أن يكتشف الناس أكاذيبهم وفساد أفكارهم يصرون على البقاء في موقع القابض على فساده ومرضه، ويلقي بالتهم تارة تلو الأخرى على الخارج، وانتماء الخارج وولاية الخارج، وتصبح لديهم الكلمة الخالصة لمصلحة البلاد وكأنها نذير حرب!
الشيخ قاسم… فقيه عالم عامل… أب عطوف كريم… ومواطن يدرك تماماً مسئوليته في خدمة وطنه وأهل وطنه، وهو يحمل هم الوطن والعمل على رفعة شأنه، ولهذا، حين يلتف حوله الناس، فإنه إنما يذكرهم بالوالد الراحل الشيخ عبدالأمير الجمري، رحمه الله، الذي قبل أن يكون قائداً محباً للوطن، كان أباً محباً لكل أبناء البحرين.
هذه الأدوار التي يلعبها العلماء الأفذاذ في البلد هي صمام الأمان، وحري بنا الإشارة إلى أن جلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، يحترم علماء البلد ويضع لهم مرتبة رفيعة المكانة، وحري بنا أيضاً الاقتداء بمنهج جلالته الذي يثمن مكانة العلماء ويقدر دورهم أيما تقدير، ولحظنا ذلك في أكثر من مشهد وموقف، كان من بينها زيارة جلالته للاطمئنان على صحة الشيخ قاسم في مرضه الأخير، ذلك لأن خطاب أولئك العلماء المعتدلين الصادقين المحبين للوطن، إنما هو خطاب بناء وتعمير ومحبة وتكافل… هؤلاء النموذج من العلماء، سنة كانوا أم شيعة، هم من يجدر بنا التمسك بمنهجهم لتحقيق مصلحة الوطن والمواطنين، واستشارتهم والاستماع إلى وجهات نظرهم كلما ألمت بنا ملمة، واخراس أصوات القبح التي ما أن تصمت حتى تعود من جديد لتبث السموم.
الشيخ الدرازي، وكل مخلص من علماء وشخصيات ووجهاء من كل نواحي البحرين، حين يقولون كلمة، فإنها صادقة خالصة للبلد وقيادة البلد وأهل البلد.