إن ما يحدث في مؤسسات وزارة الإعلام من المستحيل أن يكون مجرد قـرارات غيـر موفقة، بل هو عمل متعمد ومخطط له، ولا أعتقد أن أي عاقل من الممكن أن يفسر إبعاد وسائل النجاح المتفق عليها عن الإعلام الحكومي بأنه خطأ عابر. إن لم يكن هناك شيء معين أريد أن أشاهده في التلفاز فإن أولى القنوات التي أتوجه إليها لا شعوريا هي قنوات تلفزيون الكويت، وهو أمر يسبب الإزعاج لدى الأصدقاء بالديوانية لأنهم اعتادوا على ألا يجدوا أي شيء يستحق المشاهدة في هذه المؤسسة الرائدة. سأستطرد قليلا لتتضح الصورة لمن لا يتابع، وأنا على يقين بأنهم الأكثرية، توقفت متابعة الناس لتلفزيون الدولة منذ زمن بعيد، وهو خطأ لا يتحمله وزير الإعلام الحالي طبعا، ولكنه عززه بكل تأكيد، وكانت الفرصة الوحيدة لعودة المشاهد إلى تلفزيون الدولة في قناته الأولى هي شهر رمضان الكريم، وفي العامين الأخيرين تمكن التلفزيون ولو جزئيا من جذب انتباه المشاهد، ولكي أكون واضحاً بشكل أكبر فقد حملت القديرة سعاد عبدالله مسؤولية جذب المشاهد لتلفزيون الكويت من خلال مسلسليها «فضة قلبها أبيض» والأكثر نجاحا في الموسم الذي يليه «أم البنات». وكانت النتيجة أن يصرف التلفزيون النظر عن سعاد عبدالله في الموسم المقبل لتقدم أعمالها وتجذب جماهيرها إلى قناة خاصة، ولم يعوض التلفزيون غياب هذه العملاقة، في تعمد واضح كما أرى بصرف الناس عن مؤسسة تلفزيون الكويت، فلا حياة ولا سعاد ولا سعد ولا عبدالحسين موجودون في أعمال التلفزيون. أتوجه بعد ذلك إلى القناة الثالثة لأن قناتنا الثانية ميتة إكلينيكا منذ زمن بعيد، فقد منعت وأوقفت تلك القناة كل البرامج الناجحة جماهيريا، والتي تستقطب عددا جيدا من المشاهدين، مما أدى إلى «تطفيش» المذيعين والمعدين المتميزين ليجدوا أنفسهم بلا فرصة للظهور إلا من خلال القنوات الخاصة. أما على صعيد الإذاعة، فالحال كما هي في التلفزيون فأفضل برامج الإذاعة الخاصة هي من صنع طاقات وأبناء وزارة الإعلام الذين «طفّشتهم» الوزارة أيضا. عطفا على ذلك فإن أرشيف التلفزيون الذهبي الذي صنعه رجال الإعلام الحقيقيون في السابق تم تسليمه طوعا لقناتين فقط من القنوات الخاصة، وهما «السور» و»الوطن»، فبات من يحن إلى الماضي المشرق، لا مناص له من التوجه إلى تلكما القناتين عوضا عن تلفزيون الكويت. إن ما يحدث في مؤسسات وزارة الإعلام من المستحيل أن يكون مجرد قرارات غير موفقة، بل هو عمل متعمد ومخطط له، ولا أعتقد أن أي عاقل من الممكن أن يفسر إبعاد وسائل النجاح المتفق عليها عن الإعلام الحكومي بأنه خطأ عابر. فهل ممكن أن تشرح لي يا وزير الإعلام الموقر وبعد عام كامل وأكثر لك في الإعلام حقيقة ما تقوم به وما تسعى إليه؟ ضمن نطاق التغطية: تقدر ثروة أرشيف وزارة الإعلام بأكثر من خمسين مليون دينار كويتي لما تحمله من ندرة وتنوع.
اليوم: 26 يوليو، 2010
الفزعة القبلية والنخوة الحضرية
أفضل تصوير للفزعة القبلية ما قاله معاوية بن ابي سفيان لأخته عندما استغربت من تهديد الاحنف بن قيس له وسكوته عنه: هذا الذي ان غضب غضب لغضبه مائة ألف سيف لا يدرون فيما غضب! وهي نفسها التي جعلت عمرو بن كلثوم يفزع لأمه عندما صرخت «يالذل تغلب» فيقتل ملك العراق عمرو بن هند ويصدح بـ «ألا لايجهلن احد علينا.. فنجهل فوق جهل الجاهلينا».
فالفزعة القبلية حالها حال اي ممارسة اخرى لها جوانب موجبه وجوانب سالبة خاصة مع تفعيل مفهوم الدولة الحديثة التي تفرض تساوي الناس في الحقوق والواجبات دون النظر إلى روابط القرابة والدم وترفض مقولة «انصر اخاك ظالما او مظلوما» بمفهومها العامي ومن ذلك الاحراجات التي يتعرض لها المسؤول القبلي عندما يتم احراجه بطلبات تقفز فوق القوانين ومعها تهديد مبطن «اذا لم تقم بها فسنطعن بفزعتك لقبيلتك مما سيضر بسمعتك وعلاقاتك الاجتماعية».
النخوة الحضرية ـ او تحديدا عدمها ـ تحتاج كذلك الى وقفة معها، فقد تمادى بعض الحضر في تلبّس فهم خاطئ لدور الدولة الحديثة الراعية فأصبح يفتقر للنخوة الواجبة تجاه اهله واقاربه وجيرانه ومواطنيه، فليس من المرجلة بشيء رد الملهوف او عدم نصرة المظلوم او رفض مساعدة قريب او صديق بسبب الانانية او الخوف على الذات او البخل بالمال.
ان الدولة الحديثة قد لا تتقبل كامل الفزعة القبلية بمفهومها الماضوي وجعلها وسيلة للتجاوز على التشريعات وظلم الناس لارضاء عصبية الدم، الا ان الدولة نفسها ترفض كذلك تحجّر المشاعر وتخلي القريب عن القريب، والصديق عن الصديق، والجار عن الجار، وتجاهل حاجيات الناس ومظالمهم، لذا فقليل من الفزعة القبلية وقليل من النخوة الحضرية امران مطلوبان حتى يسعد الناس ويشعروا بان الدنيا مازالت بخير!
آخر محطة:
كم يزعجنا ويؤلمنا ما نقرأه في المنتديات والمدونات من كلمات جارحة غير مسؤولة تستهدف تقسيمنا وضرب وحدتنا الوطنية من مسميات مستعارة لا يعلم احد حقيقة من يقف خلفها.
في المخيف والمؤلم.. والمضحك!
أكرمني ثلاثة من أعضاء المجلس الأعلى للبترول باتصالهم، هاتفيا أو عن طريق الإنترنت، لبيان مواقفهم من مقال الأربعاء المتعلق بوجود تضارب مصالح وتنفع من عضوية البعض منهم من عقود مع المؤسسات البترولية التابعة للمجلس، وهي «الفضيحة» التي فجرتها إجابة وزير النفط عن سؤال النائب أحمد السعدون!
وتبين من اتصالات الإخوة، التي اتسمت بقدر كبير من الأدب، أن في الأمر، كما سبق أن ذكرنا باقتضاب، ما يثير الاستغراب! وأن سؤال النائب السعدون كان ملغما بقصد، وإجابة الوزير أكثر تلغيما بقصد آخر، كما أن تأخير الإجابة لسنة لم يكن عبثا، بل لغرض محدد، وان في الأمر صراعا على عمولات ضخمة وعقود بمليارات الدولارات، وربما تسوية حسابات داخل الأسرة، ورغبة هذا في الحفر لذلك وتوريطه، والعكس! وبالتالي دفع أعضاء المجلس الأعلى، أو بعضهم على الأقل، ثمن هذه الصراعات التي قد يكونون بعيدين عنها. وحيث إننا لسنا في حل من ذكر كل ما سمعناه، فان الوزير كان على علم، أو يجب أن يكون على علم، بأن قانون عضوية المجلس الأعلى للبترول لا يمنع أعضاءه ولا يسمح لأعضائه بأن تكون لهم تعاقدات مالية مع المؤسسات التابعة له. كما أن الوزير، الذي وصف في بعض المواقع بالشجاع لكشفه «الفضيحة»، كان على علم أيضا بحقيقة أن الأعضاء، المحيلان ومعرفي وبودي والهارون، سبق أن قدموا استقالاتهم المسببة من المجلس منذ فترة، وتوقفوا بالتالي عن حضور اجتماعاته! إضافة الى ذلك، فإن الوزير المعني كان في الأغلب على علم بأن إجابته تضمنت معلومات خاطئة عن بعض العقود الإدارية، لواحد من الأعضاء على الأقل، وأن هذا العقد أو العقود أبرمت قبل تاريخ العضوية في المجلس الأعلى!
وبالتالي، فإن التلاعب والتكتيك كانا السمة السائدة للسؤال والجواب، وربما تم اختيار أعضاء المجلس، أو غالبيتهم، ليكونوا ك.بش فداء في صراع الكبار. ومن هنا نرى أن الوزير الشيخ أحمد العبدالله، ربما اخطأ في تعمده عدم تحصين إجابته بما يكفي من معلومات عن النظام الأساسي لإنشاء المجلس الأعلى للبترول، وكونه جهة استشارية، وليست تنفيذية. كما تعمد عدم تضمين إجابته ما يفيد بأن بعض العقود موضوع السؤال والجواب تمت الموافقة عليها من المجلس الأعلى، الذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء. كما تعمد عدم التطرق، وبعد وقت كاف، الى تفاصيل العقود، وان بعضها تمت ترسيتها قبل أن يصبح المستفيد منها عضوا في المجلس. وربما أيضا تعمد عدم توضيح أن بعض الأعضاء «المتهمين» بالتربح من عضويتهم قد استقالوا من المجلس منذ سنة، والبعض الآخر لأكثر من ذلك.
وعليه، نتمنى على مجلس الوزراء، إن كان جادا في محاربة الفساد، أن يقوم في أسرع وقت بتشكيل لجنة تحقيق في موضوع السؤال والجواب وعقود أعضاء المجلس مع الشركات التابعة له، ليضع حدا لكل هذا اللغط، وسوء الفهم والاتهامات وتشويه سمعة الآخرين، التي ساهمنا بنصيبنا فيها، وهذا يتطلب منا الاعتذار إن كنا أسأنا الى أحد، فالجميع أبرياء إلى أن تصدر لجنة التحقيق أو القضاء أو أي جهة محايدة أخرى حكمها.
وفي الختام، دعونا نفكر في الفقرة التالية التي كتبها السيد محمد حمود الهاجري، عضو المجلس الأعلى للبترول، في مقال له في القبس بتاريخ 2010/7/18: أن يكون السؤال النيابي ملغوما، فهذا امر طبيعي، لكن جواب الوزير العبدالله، توقيتا ومحتوى لم يدافع او ينف اي شكوك او تقصير بالجهة تحت المساءلة! بل سلم رقاب المقصودين بالسؤال وأقر علانية بتقصير اجهزته! فهل هناك تواطؤ ما لهدف ما..؟! إذا لم يكن كذلك، فاعتراف الوزير بهذا الخطأ الفادح يستوجب المساءلة، فهو قد يكون شريكا بسكوته وتسهيله لأعضاء المجلس الاعلى للبترول الاستفادة من مناقصات المؤسسة وشركاتها، مقابل اسكات الاعضاء وشراء ودهم!
وهذه الفقرة تتطلب ردا وتوضيحا من بقية أعضاء المجلس!
أحمد الصراف