سامي النصف

حادثة «الپولندية».. الرئيس جانٍ أم مجني عليه؟!

بعد حادثة الطائرة الأفغانية في مطار غاتويك البريطاني في ديسمبر 1969 والتي قام خلالها الطيار بمحاولة النزول رغم إبلاغ البرج له بانعدام الرؤية مما نتج عنه تحطم الطائرة ومقتل ركابها، قررت سلطات الطيران المدني في أغلب بلدان العالم نزع صلاحية النزول من عدمه من يد الطيار حال وصول مستوى الرؤية الى حدود دنيا معينة بل ومعاقبته إذا حاول النزول.

وينصح أغلب خبراء سلامة الطيران بعدم الهبوط في المطار إذا فشلت عملية النزول لمرتين متتاليتين، والسبب في ذلك ان كثيرا من حوادث الطيران تمت بعد تلك المحاولتين نظرا للإجهاد الذي يصيب الطيار، إضافة إلى تناقص الوقود بسبب تكرار المحاولة والذي يضيف عاملا نفسيا يرغم الطيار على الهبوط بأي ثمن، كما أن ذلك التكرار يعني أن للطيار أسبابا خاصة أو عامة تجعله يود النزول رغم المخاطرة في ذلك المطار المحدد، ظاهرة ((FANTASY OF DESTINATION التي سبق الحديث عنها.

كانت الرؤية في مطار سمولنسك العسكري الروسي شبه معدومة إضافة إلى قصر ممر النزول وعطل جزئي في الأجهزة الملاحية وإشكالية اللغة بين مراقبي البرج الروس والطيار الپولندي، وقد سمح البرج للطيار بتكرار محاولة النزول رغم انعدام الرؤية، وكان يفترص أن يأمره بالتوجه إلى مطاري مينسك أو موسكو بالقوة وقد حاول الطيار النزول 3 مرات وتحطمت الطائرة في المحاولة الرابعة.

وكان الرئيس الپولندي الراحل ليخ كاتشينسكي قد حاول في أغسطس 2008 أن يأمر كابتن طائرته المتجهة الى تبليزي عاصمة جورجيا بالنزول رغم خطورة الأوضاع الأمنية هناك قائلا له «أن تكون طيارا يعني أن تكون شجاعا».. ولما رفض الكابتن غريغوز بيتوكاز ذلك الأمر هدده الرئيس بالمحاسبة والعقاب حال العودة لوارسو إلا أن الجيش منحه ميدالية تقديرا لقراره بعد ذلك.

لذا يعتقد بعض المحققين أن كابتن الطائرة اركادوز بروتسوك إما قد تسلم أوامر مباشرة من الرئيس بالنزول رغم الأجواء، وهو أمر قد يكشفه الصندوق الأسود، أو أنه تذكر إشكالية زميله فقرر من ذاته أن يكرر المحاولة حتى لا يعنّفه الرئيس أمام الوفد الرفيع المرافق، ويضاف لذلك خصوصية المناسبة التي يرقبها الشعب الپولندي قاطبة وهي الاحتفال بذكرى مقتل 22 ألف ضابط پولندي أبادهم الطاغية ستالين في غابة كاتين عام 1940 إبان تحالفه المبكر مع هتلر.

ومما يثار في پولندا هذه الأيام دون بينة أن الروس عطلوا أجهزة الملاحة حتى تتجه الطائرة لمطار آخر لمنع ذلك الاحتفال الذي يعتقد أن الرئيس الپولندي اليميني كان سيطالب خلاله باعتذار رسمي من موسكو ودفع تعويضات عن تلك المذبحة، وأن ذلك قد يكون سببا مضافا لفرض الرئيس عملية النزول على كابتن الطائرة.

آخر محطة:

(1) لايضاح الحقيقة، الخبر الذي نشرته «الأنباء» على صفحتها الأخيرة قبل أيام يختص بطيار كويتي «متقاعد» لا يعمل حاليا ومن ثم فهو لا يتحدث عن ممارسته للطيران هذه الأيام، وعليه اقتضى التنويه كي لا يظلم ذلك الطيار ولا يظلم الطيارون الآخرون.

(2) والشيء بالشيء يذكر، يخبرني طيار عراقي صديق بأن عدي صدام حسين كان يرغم طياري الطائرة العراقية الجامبو التي تقله وصحبه، على شرب قنان من الخمر أثناء الرحلة، وكان الطيارون يتناوبون الذهاب للحمام لإفراغ ما في جوفهم. الأمة كانت ستترحم على صدام لو حكم ابنه عدي!

احمد الصراف

الليبرالية والذكاء البشري

بعد فترة قصيرة من قيام إحدى الصحف المحلية بنشر مقال مثير للاشمئزاز والتقزز لأحد كتابها اتهم فيه الليبراليين بأنهم يمارسون الجنس مع بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم، نشرت مجلة «ناشيونال جيوغرافكس» المرموقة مقالا في عدد مارس الماضي لخصت فيه بحثا سبق أن نشر في دورية Social Psychology Quarterly للبريطاني ساتوشي كنازاوا، أستاذ علم النفس التطوري في جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، حيث ذكر فيه أن الذكاء، وخاصة ما تعلق منه بقدرتنا على حل المشاكل التي تواجهنا فجأة ومن ثم التفكير بطريقة منطقية للتعامل معها وحلها، له جانب جديد لم ينتبه اليه أحد من قبل. وأعطى مثالا على ذلك كيفية التعامل مع حادثة نشوب حريق مفاجئ في الغابة، فكارثة مثل هذه نادرة الوقوع في حياة سكان مجتمعات كثيرة، ولا تحدث يوميا، وبالتالي فإن الاستجابة لها لم تكن يوما من الأمور التي اعتاد أسلافنا على التعامل معها بصورة مستمرة، فلم تنقل لنا تجاربهم معها من جيل لآخر، خصوصا أن النجاة من الحريق والتعامل معه يتطلبان عادة القدرة على اتباع أسلوب تفكير جديد ومن ثم تملك الإرادة على تجربة تلك الطريقة، وهنا يصف البروفيسور كنازاوا الذكاء العقلي بأنه الميل نحو اتباع قيم وخيارات اجتماعية غير مألوفة، وهذا باعتقاده يخلق لدى الأذكياء ميلا أكبر لتبني قيم اجتماعية وتصرفات أكثر حداثة وجدية في حياة البشر، كالليبرالية والحرية الدينية ورفض الخلود للنوم المبكر، ضمن أمور كثيرة أخرى. كما لاحظ أن أفراد هذه الفئة لا يميلون الى تعدد علاقاتهم الزوجية، كما أن رفضهم للمؤسسات الدينية المتزمتة يجعل عقولهم تتعامل بطريقة أفضل مع مستجدات الحياة.
وقد قام العالم كنازاوا بإجراء تجربة أخضع فيها عددا من الطلبة المراهقين لاختبارات ذكاء نموذجية يمكن من خلالها قياس مستويات ذكاء كل واحد منهم. وقام بعد سبع سنوات بمقابلة الطلبة أنفسهم وسؤالهم عن معتقداتهم الدينية والسياسية فتبين له أن أولئك الذين اعترفوا بأنهم أكثر ليبرالية دينيا وسياسيا هم الذين سبق ان حصلوا على درجات ذكاء أعلى من غيرهم في تجربته السابقة. وعلى الرغم من أن الفارق بين الطلبة الليبراليين الأذكياء وغيرهم لم يزد في المتوسط عن 11 نقطة فإن هذه النقاط باعتقاد البروفيسور كنازاوا كافية لتحديد الفرق.
فالليبرالية بنظره، في جزء منها، تعني الاهتمام العميق برفاهية وسلامة عدد كبير من البشر الذين لا نعرفهم والذين ربما لن نلتقي بهم في حياتنا، وهذا الاهتمام بحد ذاته مفهوم جديد على الجنس البشري. فتاريخيا كان الإنسان، حتى فترة قصيرة، لا يهتم بغير عائلته المباشرة وأصدقائه، ولم يكن للغرباء نصيب لديه، ولكن الوضع في عالمنا اليوم تغير بشكل جذري وأصبح أكثرنا ليبرالية أكثرنا اهتماما بقضايا البيئة ورفاهية وسلامة الشعوب الأخرى، والعكس صحيح!!
وجهة نظر قابلة للنقاش.

أحمد الصراف