في تجمع متواضع خالٍ من البهرجة، وبحضور جمع قليل من وجوه الطائفة الشيعية، أعلن رجل الدين الشيعي علي الصالح قبل أيام تعيين نفسه كأول «آية الله» في تاريخ الكويت، وثاني مرجع ديني بعد المرحوم الميرزا حسن الاحقاقي الحائري، الذي يدين له الشيعة الحساوية بالولاء. وعلى الرغم من حصول السيد الصالح على تأييد مراجع عدة لتعيين نفسه «آية الله» فإنها ربما تكون المرة الأولى التي يقوم فيها رجل دين بمثل هذا التعيين، حيث إن هذا اللقب عادة ما يكتسب مع الوقت، وتزيد أهميته ويزداد أتباع حامله مع زيادة من يتبع فتاواه، ويقرأ مؤلفاته، ويصلي وراءه، ويرجع إليه في الاستفسار عن أحكام الشريعة الإسلامية.
وعلى الرغم من كل اللغط الذي دار حول هذا «التعيين من طرف واحد»، فإن الشيخ الصالح نجح في وضع إصبعه على بعض النقاط الحساسة التي طالما تجنب كثيرون التطرق إليها، لتعلق مصالحهم بها. فقد طالب بالمساهمة في إنشاء العديد من المؤسسات الخيرية لمساعدة فقراء الكويت وأهلها المتعففين، وأن تصرف الحقوق الشرعية (الخمس) داخل الكويت في البداية ولا ترسل إلى الخارج، وأن مرجعيته ستغلق كثيرا من الدكاكين المستفيدة من غياب المرجعية المحلية، وما يعنيه ذلك أن أموال الخمس، التي تذهب حاليا إلى إيران والعراق والقليل منها إلى لبنان والإحساء، ستصرف عن طريقه على مستحقيها في الكويت (ولا أدري ما الآلية التي سيتبعها). وقال إنه سيشتري أرضا ويبني عليها عمارة سكنية فيها شقق للشباب الذين يرغبون بالزواج برسوم ميسرة – وهذه مجرد مساهمة منه في حل الأزمة السكنية في الكويت(!) وأنه، كمرجع كويتي، سيساهم في إنشاء مراكز ومؤسسات خيرية داخل الكويت لمساعدة الغيارى العفيفين.
وبأنه سيتصدى لكل من يحاول تمزيق الوحدة الوطنية، وأنه يناشد خطباء المساجد و«الحسينيات» عدم سب الصحابة أو الإساءة لزوجات الرسول.
ولو تمعنا في تصريح السيد الصالح لوجدنا أن الثقل في كلامه يكمن في تصديه لموضوع تلقي وصرف ما يدفع سنويا من أموال الخمس، والذي يرسل، ومنذ عقود طويلة، إلى المراجع العظام خارج الكويت. والحقيقة أن تاريخ التصرف في أموال الخمس يكتنفه الكثير من التساؤل، فبخلاف ما يصرف على تكاليف الدراسة في الحوزات الدينية، وتخريج رجال دين بعشرات الآلاف، فإن من الصعب، بعد مئات السنين من اتباع هذا النظام المالي الرهيب في حجمه، معرفة كيفية التصرف في ما يتم جمعه من أموال طائلة، حيث لا نجد حقيقة أي مشاريع حيوية ضخمة في أي من الدول ذات العلاقة بالمنطقة، بخلاف مستوصف هنا ومسجد هناك ومدرسة أيتام وورشة تدريب وبعض المشاريع المتواضعة الأخرى، في ظل حاجة المجتمعات الشيعية الماسة للكثير الكثير من المشاريع، وبالذات التعليمية والصحية. فلبنان جبل عامل، التي منها انتقل الفكر الشيعي إلى إيران، وبقية مناطق الشيعة الأخرى ليس فيها جامعة واحدة، بل ربما تخلو حتى من مدرسة ثانوية معتبرة، كالمقاصد سمعة ومكانة.
وعليه فإننا، وعلى الرغم من الهوة التي تفصلنا عن الشيخ الصالح، فإننا نؤيد فكرته ضمن نظام مالي واضح وشفاف، ونطالبه كذلك بالعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية، وأن يعمل جاهدا على أن تبقى أموال الكويت في الكويت، فلا إيران فقيرة لتحتاج إليها ولا العراق، وإن كانت أنظمتهما المالية أو السياسية فاسدة وخربة، فكل أموال الكويت لن تصلحها.
أحمد الصراف