لا يبدو أن جسم المجتمع البحريني سيتخلص من فيروس الاحتدام والاحتراب الطائفي في القريب العاجل، والخوف أن يبقى هذا الفيروس… أو يجدد نفسه مع تغير الظروف التي تمر بها البلاد وتمر بها المنطقة بدرجة يتمكن فيها من تجديد نسخه بصورة أكثر ضراوة، والسبب في ذلك كله، فئة من شعب البحرين – ذاتهم – مع شديد الأسف.
ليس المواطنون الجدد، أو المجنسون، هم وحدهم، كما يعتقد البعض، الذين يثيرون زوابع الصدام كلما عصفت بالبلاد عاصفة، بل هناك من أهل البلد أنفسهم، من سنة وشيعة، جبلوا على التلذذ بإبقاء فتيل الفتن والتصادم والتخوين والتسقيط، وهذه كلها، لا علاقة لها لا بالدين ولا بالعرف الاجتماعي ولا بما توارثه هذا المجتمع أبا عن جد من صفات قل نظيرها في الكثير من المجتمعات.
الوسائط الإعلامية المنتشرة بين الناس وأدوات الاتصال والتواصل التقني المتاحة للجميع، سهلت الطريق أمام تلك الفئة لترويج أفكارها الفاسدة، وأفسحت المنتديات الإلكترونية التي يلتقي فيها العشرات في جلسات الشيطنة المساحة لضرب كل قيمة أصيلة من قيم المجتمع، فأصبحت شعارات الوحدة المتماسكة والبيت الواحد والنسيج الوطني وكأنها كلمات حق يراد بها باطل.
وهناك فرق شاسع بين الإجماع الوطني على مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين والمتورطين في ابتلاع المال العام والأراضي والثروات والإضرار بالاقتصاد الوطني بالتبييض والتغسيل والسرقة والرشا وتقديمهم للمساءلة القانونية وللعدالة، وبين استغلال هذا التوجه للنيل من السلم الاجتماعي، فمن يتورط في تهمة فساد أو تبييض أموال أو تجاوزات تخالف القانون، كما هو الحال بالنسبة لقضية ملف وزير الدولة السابق منصور بن رجب، فإن كلمة الفصل هي للقضاء البحريني، وأي متهم، أيا كان موقعه وموضعه ونفوذه، له الحق في الدفاع عن نفسه وتفنيد الاتهامات بالحجج والبراهين والأدلة، أما إذا عجز عن ذلك وسقط في يد العدالة متورطا بالأدلة الثابتة، فلا عزاء للمفسدين، ولا اعتراض على كلمة العدالة.
والعجب كل العجب من صورة التردي الأخلاقي المخيفة بين شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين الذين لم يتورعوا عن الإساءة إلى عائلة المتهم، وتبادل المعلومات المغلوطة تارة، والرسائل النصية الاستهزائية تارة أخرى، علاوة على تنشيط مجموعات ومجموعات في مجالس وفي مواقع إلكترونية للمطالبة بحرمان طائفة من حقوقها لأنها (خائنة وحرامية وعميلة)، بل والدعوة لرفع السيوف والحراب والنبال وإسالة الدماء، وتنبري مجموعات أخرى، من طائفة أخرى، لتوجيه دعوات مماثلة لا تخلو من الدمار والدماء هي الأخرى، وكأن الدولة، حين تبدأ في محاسبة حقيقية للمفسدين، فإنها تريد تأليب الناس ضد بعضهم البعض فنصل إلى ما لا تحمد عقباه وبدرجة أشد مما ورد في تقرير التحقيق في أملاك الدولة وفي تداعيات قضية بن رجب وهذا غير صحيح.
المتورطون في الفساد يجب أن يقدموا إلى العدالة، أيا كان انتماؤهم المذهبي ودرجة نفوذهم، ومن يسرق مال الدولة وشعبها ليملأ جيوبه فلا مكان له إلا وراء القضبان، بعد أن تثبت عليه التهم حقا، أما تحويل قضايا الفساد وتحقيقاتها ومحاكماتها إلى بيئة لنمو فيروسات الطائفية والأحقاد والعداوات والإضرار بأمن المجتمع وسلمه واستقراره، فهذا خطر مدمر لن يمكن السيطرة عليه إن توسع وانفلت.