سامي النصف

في الدفاع عن التوجهين الإسلامي والليبرالي

الليبرالية في الفكر السياسي هي حالة مكملة للتوجه الإسلامي، حيث ان طغيان حالة واحدة على المجتمعات يعني بكل بساطة سيادة الفكر الديكتاتوري القمعي، لما يملكه متشددو الطرفين من أنياب بارزة ستدمي فيما لو تركت منفردة في ساحة العمل السياسي، ومن ثم ستنتهي البلدان والمجتمعات المبتلاة باللون الواحد الى الدمار والإفقار للشعوب والأوطان.

وإذا ما ابتعدنا عما يصم به بعض منضوي توجه التوجه الآخر فسنجد ان التوجه الإسلامي لا يعني في أساسه التطرف والتخلف حيث ان من قادته في الكويت وخارجها وضمن المجالس النيابية والمنتديات الإعلامية قيادات إسلامية شديدة الثقافة والاعتدال، كذلك لا تعني الليبرالية الإلحاد أو الدعوة للانحلال الأخلاقي، حيث ان قياداتها ومنضويها هم أبعد ما يكونون عما يتهمهم به بعض متطرفي الطرف الآخر.

وإذا كان وجود التوجهين و«تنافسهما» يؤدي بالتبعية للارتقاء بممارستهما الفكرية والسياسية فإن عملية النقد وخاصة الذاتي منه تؤدي كذلك لتصحيح الأخطاء وتحسين الأداء، ومن ذلك دعمنا لما خطته قبل أيام الزميلة حنان الهاجري في صحيفة «القبس» تحت عنوان «العيب فيكم لا في الليبرالية» وهي في نهجها السياسي النقدي الهادف شبيهة بالكاتب الإسلامي ساجد العبدلي فيما يكتبه في كشفه لأخطاء التيار الإسلامي لتصحيحها وتلافي تكرارها.

وهناك أسباب عدة لضعف أداء التوجه الليبرالي بشكل عام أولها عدم وجود الدولة الراعية والداعمة له بالخبرات والموارد والتنظير وتسخير وسائط الإعلام كحال الاتحاد السوفييتي سابقا مع الشيوعية، والسعودية مع الإسلام السني، وإيران مع الإسلام الشيعي، فرغم كل ما يقال لا توجد صلة على الإطلاق بين الدول الليبرالية الممتدة من اليابان شرقا حتى الولايات المتحدة غربا والحركات الليبرالية في دول العالم الثالث، بل استطاعت الحركات الإسلامية وبذكاء شديد النهل والاستفادة من الأفكار السياسية والاقتصادية الغربية لدعم توجهاتها ونشرها.

وغياب هذه المرجعية حرم التوجه الليبرالي العربي والإسلامي من التواصل بعضه مع البعض والاستفادة من حالتي الإخفاق والإنجاز في أحد الأقطار لمنع تكرارها أو إعادة تكرارها في القطر الآخر، فالتوجه الليبرالي في الكويت على سبيل المثال غير متصل بمثيله في السعودية والبحرين ومصر ولبنان والأردن والمغرب.. الخ، بعكس التوجهات الإسلامية العابرة للقطر والداعمة بعضها لبعض بالخبرة والتجربة والموارد.

كذلك نجح التيار الإسلامي وببراعة شديدة في ربط توجهه السياسي بمراكزه الاقتصادية من بيوت مال وبنوك وشركات استثمار وبيوت زكاة وجمعيات خيرية وتعاونية، في حين لم ينجح التوجه الليبرالي في مثل هذا العمل حيث نجد الانفصام الحاد بين رجال السياسة وفعاليات الاقتصاد لدى الليبراليين.

ان توافر الموارد المالية لدى التوجه الليبرالي كفيل بخلق فعاليات ونشاطات تستقطب الشباب وتظهر المبرزين منهم كما يحدث مع التوجه الإسلامي الذي أبرز وبشكل جميل قيادات وفعاليات شابة استقطبت الجماهير كعمرو خالد ومشاري العفاسي ومشاري الخراز.

أخيرا، ان دعم وتقوية التوجه الليبرالي في حال ضعفه أو التوجه الإسلامي فيما لو وهن، فيه اصلاح للأمة حالنا حال أمم الغرب التي لا تترك العمل السياسي لتوجه واحد بل تبدأ منذ اللحظة الأولى لصعود توجه ما (جمهوري، عمالي.. الخ) بتقوية التوجه الآخر لعلمهم أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

احمد الصراف

الرجل الملون وحجر الدمينو

1ــ عزيزي الرجل الأبيض. دعني أخبرك عن أمر يهمك.. عند ولادتي يكون لون جلدي أسود. وعندما أكبر ويتقدم بي العمر يبقى لون جلدي أسود، كما ولدت، وعندما أجلس في الشمس طويلا، لا يزداد لوني سوادا. وعندما أصاب بنوبة برد لا يتغير لوني عن الأسود. وعندما أجزع أو أصاب بالرعب لسبب ما لا يتغير لون جلدي لأي لون آخر، وكذلك عندما أصاب بالمرض أبقى على سوادي الطبيعي والجميل. وعندما يأتي موعد رحيلي عن هذه الدنيا أموت وأنا أسود، كما سبق أن ولدت أسود!
ولكن الحال معك يا عزيزي الرجل الأبيض مختلف تماما. فعند ولادتك يبدو لونك مائلا للوردي، وعندما تكبر تصبح أبيض، وعندما يطول مكوثك في الشمس يتحول جلدك الى اللون الأحمر، أو النحاسي، وعندما تصاب بالبرد تصبح أزرق، وعندما تشعر بالرعب يتحول لون وجهك للصفار، وعند مرضك يميل لونك الى الاخضرار، وعندما تموت يتحول لونك للرمادي الفاتح.. بعد كل هذا أرجو أن تخبرني من هو الملون فينا، أنا أم أنت؟
2ــ عندما يتم إسناد أحجار الدمينو بطريقة فنية دقيقة خلف بعضها البعض فإن أي دفعة لأول حجر منها يؤدي لتوالي سقوط بقية الأحجار بتردد جميل، وهذا يسمى بـ«الدمينو إففكت»! وفي الحياة يعني تنازل طرف ما عن موقف أو رأي محدد أنه ربما سيقبل تنازلات أخرى، والعكس صحيح كذلك!! نقول ذلك بمناسبة الندوة التي نظمتها «الجمعية الجغرافية الكويتية» في العاشر من سبتمبر، حول علاقة علم الأرصاد بعلوم الفلك، التي حاضر فيها الفلكي المعروف عادل السعدون عن ضوابط وشروط رؤية الهلال بشكل عام، حيث طالب الحكومة بضرورة تعيين فلكيين في هيئة الرؤية الشرعية!
على الرغم من وجاهة طلب الصديق الفلكي السعدون فإن هناك شكا كبيرا في تجاوب الحكومة، أو من يسيّر أمورها في مثل هذه المواضيع، لهذا الطلب العقلاني والعصري! وسبب ذلك يعود لاعتقاد هؤلاء بأن تنازل أعضاء الهيئة الشرعية وقبولهم لوجود عالم فلك حقيقي بينهم يعني ببساطة نهاية دورهم كـ«علماء». فمن الذي سيكون بحاجة لمجموعة من رجال الدين الذين ينتظرون دخول شخص بسيط عليهم ليشهد برؤية الهلال وقبض المقسوم، إذا كان بينهم فلكي يستخدم مرصدا يرى فيه ما لا تراه العين المجردة بمئات المرات، ويقول عكس ذلك؟ كما يعني وجود فلكي في اللجنة أن القبول بوضع العلم الدقيق محل التقدير الجزافي، ومشاهدة منافعه ودوره الموحد يعني زيادة الثقة به، والتقليل من دور رجال الدين في تسيير أمور الحياة العصرية التي لم تكن يوما من مهامهم كقضايا تحديد النسب والعلاج وتحديد القرابة!! ولا شك في أن رجال الدين بشكل عام، وأعضاء الهيئات الشرعية بالذات على علم بأن الوقت لن يطول قبل أن تضطر حكومة هنا أو سلطة هناك الى الاستعانة بالعلم الحديث بدلا من التخمين والحدس وضرب الرمل، ولكنهم يحاولون قدر الإمكان تأخير قدوم ذلك اليوم ما استطاعوا لذلك سبيلا. وعندما يبدأ الصف الأول من أحجار الدمينو بالتساقط فالدور سيصل للصف الأخير لا محالة.
ملاحظة: الجزء الأول من المقال مترجم عن الإنترنت.

أحمد الصراف