الليبرالية في الفكر السياسي هي حالة مكملة للتوجه الإسلامي، حيث ان طغيان حالة واحدة على المجتمعات يعني بكل بساطة سيادة الفكر الديكتاتوري القمعي، لما يملكه متشددو الطرفين من أنياب بارزة ستدمي فيما لو تركت منفردة في ساحة العمل السياسي، ومن ثم ستنتهي البلدان والمجتمعات المبتلاة باللون الواحد الى الدمار والإفقار للشعوب والأوطان.
وإذا ما ابتعدنا عما يصم به بعض منضوي توجه التوجه الآخر فسنجد ان التوجه الإسلامي لا يعني في أساسه التطرف والتخلف حيث ان من قادته في الكويت وخارجها وضمن المجالس النيابية والمنتديات الإعلامية قيادات إسلامية شديدة الثقافة والاعتدال، كذلك لا تعني الليبرالية الإلحاد أو الدعوة للانحلال الأخلاقي، حيث ان قياداتها ومنضويها هم أبعد ما يكونون عما يتهمهم به بعض متطرفي الطرف الآخر.
وإذا كان وجود التوجهين و«تنافسهما» يؤدي بالتبعية للارتقاء بممارستهما الفكرية والسياسية فإن عملية النقد وخاصة الذاتي منه تؤدي كذلك لتصحيح الأخطاء وتحسين الأداء، ومن ذلك دعمنا لما خطته قبل أيام الزميلة حنان الهاجري في صحيفة «القبس» تحت عنوان «العيب فيكم لا في الليبرالية» وهي في نهجها السياسي النقدي الهادف شبيهة بالكاتب الإسلامي ساجد العبدلي فيما يكتبه في كشفه لأخطاء التيار الإسلامي لتصحيحها وتلافي تكرارها.
وهناك أسباب عدة لضعف أداء التوجه الليبرالي بشكل عام أولها عدم وجود الدولة الراعية والداعمة له بالخبرات والموارد والتنظير وتسخير وسائط الإعلام كحال الاتحاد السوفييتي سابقا مع الشيوعية، والسعودية مع الإسلام السني، وإيران مع الإسلام الشيعي، فرغم كل ما يقال لا توجد صلة على الإطلاق بين الدول الليبرالية الممتدة من اليابان شرقا حتى الولايات المتحدة غربا والحركات الليبرالية في دول العالم الثالث، بل استطاعت الحركات الإسلامية وبذكاء شديد النهل والاستفادة من الأفكار السياسية والاقتصادية الغربية لدعم توجهاتها ونشرها.
وغياب هذه المرجعية حرم التوجه الليبرالي العربي والإسلامي من التواصل بعضه مع البعض والاستفادة من حالتي الإخفاق والإنجاز في أحد الأقطار لمنع تكرارها أو إعادة تكرارها في القطر الآخر، فالتوجه الليبرالي في الكويت على سبيل المثال غير متصل بمثيله في السعودية والبحرين ومصر ولبنان والأردن والمغرب.. الخ، بعكس التوجهات الإسلامية العابرة للقطر والداعمة بعضها لبعض بالخبرة والتجربة والموارد.
كذلك نجح التيار الإسلامي وببراعة شديدة في ربط توجهه السياسي بمراكزه الاقتصادية من بيوت مال وبنوك وشركات استثمار وبيوت زكاة وجمعيات خيرية وتعاونية، في حين لم ينجح التوجه الليبرالي في مثل هذا العمل حيث نجد الانفصام الحاد بين رجال السياسة وفعاليات الاقتصاد لدى الليبراليين.
ان توافر الموارد المالية لدى التوجه الليبرالي كفيل بخلق فعاليات ونشاطات تستقطب الشباب وتظهر المبرزين منهم كما يحدث مع التوجه الإسلامي الذي أبرز وبشكل جميل قيادات وفعاليات شابة استقطبت الجماهير كعمرو خالد ومشاري العفاسي ومشاري الخراز.
أخيرا، ان دعم وتقوية التوجه الليبرالي في حال ضعفه أو التوجه الإسلامي فيما لو وهن، فيه اصلاح للأمة حالنا حال أمم الغرب التي لا تترك العمل السياسي لتوجه واحد بل تبدأ منذ اللحظة الأولى لصعود توجه ما (جمهوري، عمالي.. الخ) بتقوية التوجه الآخر لعلمهم أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.