سامي النصف

أكذوبة «رجال الأعمال أعداء للأوطان»

استضاف الزميل يوسف الجاسم ضمن برنامجه الشائق «ذاكرة وطن» على قناة الوطن عدة شخصيات تاريخية كويتية اكتشفنا من خلال حديثها الدور الخيّر لرجال الكويت في الماضي ممن لم يكونوا يعتمدون في عيشهم على الوظائف الحكومية حيث كان القلاليف الكويتيون يبنون أجود سفن المنطقة وأكبرها والتي يعمل عليها النواخذة والبحارة الكويتيون ممن استفردوا بحمل غلة الهند والعراق الى المنطقة وإلى سواحل افريقيا.

وفي مرحلة لاحقة أي حقبة الخمسينيات والستينيات قام رجال الأعمال الكويتيون بمخاطرة كبيرة عندما تصدوا لإنشاء شركات ومؤسسات مالية وطنية تحل محل الشركات الأجنبية، فكان إنشاء البنوك وشركات الطيران والناقلات والبترول الوطنية ومطاحن الدقيق وغيرها، وقد اضطروا في بعض الأحيان ليرهنوا، كأعضاء مجلس إدارة البعض من تلك الشركات، كل ما لديهم دعما لبقائها وهو أمر غير مسبوق في العمل التجاري.

إن مصطلح تاجر أو رجل أعمال ينطبق على كل من لا يعتمد على الوظيفة الحكومية في رزقه، ولا يصح في هذا السياق إلقاء التهم جزافا وبشكل عام على جميع رجال الأعمال واتهامهم دون بينة بأنهم السبب في موجة الغلاء – المتراجعة – التي أصابت البلد والتي كان سببها الرئيسي هو الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة والبناء والمواد الغذائية.

لقد قامت الثقافة الاشتراكية والماركسية التي سادت الوطن العربي في فترة من الزمن بالتلطيخ المتعمد لدور رجال الأعمال في المجتمع عبر تصويرهم بشكل سيئ دائما، والغريب ان أحدا لو زار نجوع وقرى مصر لوجد ان مبرات وأعمال خير رجال اقتصاد ما قبل عام 52 تغطي أغلب تلك المناطق وذلك عبر إنشاء المدارس والمصحات والمصانع التي توفر فرص العمل وتمنع الهجرة للمدن أو السفر للخارج، وقد تم القضاء على تلك الطبقة المنتجة في مرحلة ما بعد 52 وحلت محلها طبقة طارئة تقوم بالاقتراض والهرب أو استخدام الأموال لخدمة نزواتها وأهوائها الشخصية.

آخر محطة:
 تابعت اللقاء الشائق لجريدة «الرؤية» مع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس وتوصياته الأربع في ختام اللقاء والتي توصي بقيام ثورة في التعليم وضرورة خلق فكر ليبرالي جديد يستقطب الجماهير وإعادة الهيبة لرجال المرور كونها المدخل لانضباط الشارع العربي والحاجة لتفرغ كل قطر عربي لتطوير ذاته بدلا من الانشغال بهموم ومشاكل الآخرين.

احمد الصراف

يا حيفاه

أكملت قبل اسبوع 23 الف يوم من عمري المديد، وعلى الرغم من كبر الرقم، فإنه لايزال لدي، بموجب حسابات شركة التأمين على الحياة وتقارير طبية مستقلة، ما يقارب نصف ذلك الرقم من الايام السعيدة، قبل ان اموت طبيعيا في منتصف التسعين، وعليكم الحساب والتكسير، والتمني سلبا او ايجابا!
صحتي جيدة، وذهني لايزال متوقدا، واشعر بأنني في قمة نشاطي الجسدي والفكري، وانه لايزال امامي الكثير لأقوم به، وفوق هذا وذلك فإن قلبي وعقلي مليئان بأفكار تتعلق بعشرات المشاريع والخطط ولكن.. مع كل هذا، يكتنف جوانبي، احيانا كثيرة، حزن شديد، واشعر بين الفترة والاخرى وكأن اصابع لزجة تنسل خلسة بين أضلاعي لتعصر قلبي.. ألما!
لا يعود سبب ذلك لاسباب شخصية، فقد حققت في حياتي، حتى الآن، كل ما كنت اشتهي واتمنى، وربما اكثر من ذلك، ولا اشعر برغبة في تولي منصب سياسي او الحصول على جاه او التقرب لأي كان، فقد تلبستني القناعة بشكل لا فكاك منه، ورضيت بذلك الاسر الجميل طوعا!! ولكني اشعر بالحزن لما آلت اليه الاوضاع في وطني من جهة، ولعدم وجود ولو بصيص أمل في ان تنصلح الامور فيه، ولو بعد حين، من جهة اخرى، حتى ذلك الضوء الذي يتخيل البعض وجوده في نهاية النفق قد لا يعدو ان يكون مصابيح شاحنة ضخمة قادمة بسرعة كبيرة باتجاه خط سيرنا المتعثر!
لقد وصل التسيب والشلل والفساد الاداري حدا اصبح فيه الاصلاح امرا بعيد المنال، ان لم يكن مستحيلا، وكل عاقل يقبل تولي المنصب الوزاري مثلا، او اي منصب آخر عالي الاهمية، لا شك مدرك بأن قبوله عائد بالدرجة الأولى لما يأتي مع ذلك المنصب من جاه ونفوذ ومصلحة شخصية، وليس لإصلاح الأوضاع ووضع الامور في نصابها الصحيح، فهذا فوق طاقة اي فرد منا!
والأمثلة على خروج وزراء «اصلاحيين» مطأطئي الرؤوس من الوزارة دون انجاز شيء، اكثر من ان تحصى، فقد تأخر الوقت كثيرا لإحداث اي انقلاب ايجابي في الاوضاع او فعل شيء مفيد بعد ان تمكنت قوى التخلف والرجعية والفساد من الامساك بغالبية مفاصل الدولة، ان لم يكن جميعها.
واأسفاه على وطني.. واأسفاه على احلام آبائنا واجدادنا التي احترقت.. واأسفاه على ضياع كل الجهود الطيبة، وكل تلك المليارات التي أُنفقت على التعليم لنحصد منها كل هذا الجهل، وكل هذا الكم من الخواء المعجون بالتعصب القبلي والطائفي والديني الذي اختلط مع الفساد المالي والإداري ليصبح كتلة صماء واحدة.
آه كم انت جميلة وحلوة يا بلدتي. آه كم انت رائع يا وطني.. ولكن يا حيفاه!

أحمد الصراف