«من يصادق الجميع لم يصادق أحدا»، هذه مقولتي التي أرددها كلما جاءت سيرة الشيخ أحمد الفهد. والشيخ أحمد الفهد صديق الجميع، وصديق خدمهم وسائقي سياراتهم، ولديه الوقت لمناقشة تاريخ انتهاء جواز هذا الهندي وشروط كفيله بعدما يخرج من اجتماع ترأسه لمناقشة الرياضة العالمية مع رئيس أوروبي، وسيجلب معه بعد عودته من اجتماعات رؤساء أجهزة الأمن الخليجي علاجا للصلع طلبته أنت منه قبل سفره، وسيسألك عن وظيفة زوجتك وهل لا يزال رئيس قسمها يحاسبها على الدقيقة والثانية… هو رجل لديه الوقت لكل هذا، ويبدو أن ساعات يومه أطول من ساعات يوم الإنسان العادي.
وهو صديق لجماعات السلف وللإخوان المسلمين وأبناء خالاتهم، ولا أحد أكثر منه يعرف خططهم في اللعب، فيشجعهم ويسهل لهم تسجيل الأهداف، فلكل أهدافه، هم يهمهم المال والسيطرة على مفاصل الدولة، وهو لا يريد سوى الحُكم، وهو حقه المشروع.
وستجد الفهد على الضفة الأخرى مجالسا النائب الشيعي صالح عاشور الذي لا ولن تنتهي شكاواه ومظلومياته قبل أن تفنى الكويت وما عليها. وهو، أي الشيخ أحمد، الأقرب لبعض أبناء القبائل الطامحين للمناصب والمستعدين لابتلاع السيف والتهام النار في سبيل الحصول على الكرسي. وهو سيلتقي بعدما يخرج من اجتماعه مع التجار بمجموعة من النقابيين، وسيدعو هؤلاء وهؤلاء وأولئك لغبقته الرمضانية (الغبقة بالكويتية هي العشاء الرمضاني) التي يستعرض من خلالها شعبيته ويتلمس فيها كرسي المستقبل. وسيتعطل المرور بسبب «غبقة الفهد»، وستتحول العاصمة إلى محشر ينقطع فيه إرسال الهواتف النقالة وتصطدم السيارات بعضها ببعض. وسيجتمع عشرات الآلاف من البشر في وقت واحد وفي مساحة لا تزيد عن الألفي متر، وستدخل مع أصدقائك قاعة الحفل متعاضدين، اليد باليد كي لا يُدهس أحدكم في الزحام (لم يسبق لي أن حضرت غبقة له لكن هذا ما شاهدته في صور المحررين)… وستجد هناك الوزراء السابقين واللاحقين وأبناءهم وبناتهم من الدرجة الرابعة، وستجد النواب والصحافيين والممثلين والحلاقين (ابحث عن الحلاقين وستجد أربعة على الأقل، هناك بجانب الكنافة)، وكل من يخطر ومن لا يخطر على بالك ستلتقيه عند أحمد الفهد في غبقته الاستعراضية.
جيشه جرار لكنه جيش من فصيلة نشارة الخشب التي تتطاير بالنفخ المجرد، وجنوده أرخص من ملابسهم العسكرية… قلت له أكثر من مرة: «أحد أوجه الدهاء هو أن تنتقي مناصريك، وهو ما لا تجيده رغم دهائك».
صاحب قرار؟ نعم بلا شك ولا عك، لكنه قرار يخدم كثيرين لكن أكثر المستفيدين من قراره الثعابين والعقارب! صبور؟ نعم ولم يسبق لي أن شاهدت حبالا أطول من حبال صبره. تطعنه برمحك فيتألم ويبتسم ويتراجع للخلف كي يهجم عليك من جديد. إنه أسد في ثياب رجل، والنسخة الكويتية من حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد المكتوم، بل وأكثر.
أحد عيوبه، إضافة إلى سيره في الاتجاه المضاد للشمس، هو أن دائرته القريبة مرعبة «تسرق الكحل من العين» كما يقول المصريون القدماء… شعبيته نووية التأثير، تجرف ما يعترضها، كما يبدو لك من الوهلة الأولى، لكنك لو تمعنت جيدا لاكتشفت بأن مجموعة صغيرة من النواب والكتاب دفعته بقوة فأسقطته من حافلة مجلس الوزراء على الشارع العام، وكادت تدهسه السيارات المسرعة، لكنه نجا بأعجوبة وتشعبط في جهاز الأمن الوطني وجلس على الكرسي وهو يلهث ويحمد الله مرارا وتكرارا على أنه لم يمت. وبعدما أفاق من سكرة الموقف تساءل بغضب: مقاس الجهاز أقل من مقاس جسمي، ويكاد الجهاز يتقطع على صدري لضيقه. فما الحل؟ الحل هو تحريك الأدوات المتوافرة، وما أكثرها. وبالفعل حرك التروس فدارت بأقصى سرعاتها، لكن الأمور سارت في الاتجاه المعاكس، وازدادت خسائره، وانكشف ظهر جيشه الخشبي الجرار، فابتعد عن ساحة المعركة ليحسب خسائره. وها هو الآن يجلس تحت تلك الشجرة ممسكا الورقة والقلم بانتظار الوقت المناسب للهجوم الكاسح والأخير.
الفهد، حتى وهو خصمك، تحترمه وتحترم نفسك، فمثله لا يثير الشفقة ولا يشعرك بالذنب لو أدميت جبهته… والحديث عن هذا الأسد الصباحي لا نهاية له كطموحه، لكن المؤكد أنه لو ابتعد عن الضوضاء المحيطة به من الجهات العشر وأطفأ إضاءة غرفته في المنزل وارتشف فنجان قهوته على ضوء الشموع وفكر قليلا، لأصبح وببساطة حاكم الكويت السابع عشر، برغبة الكويتيين كلهم أو جلهم على أسوأ الأحوال، بشرط ألا يعترض عزرائيل طريقه مبكرا.