هناك أمثال شعبية، وقحة غالبا، يمكنها اختصار قول الكثير، ولكن القانون يمنع ذكرها في مطبوعة عامة، مثل ذلك المثل الذي يتعلق ببائعة الهوى التي أصبحت فجأة تتحدث في العفة، بعد أن بلغ بها العمر أرذله!
بعض دوائر الدولة المهمة، ومنها إدارة فحص العمالة الوافدة، كانت، وربما لا تزال مخترقة بشكل كبير من قبل بعض العصابات التي تعمل على تمرير مختلف المخالفات مقابل قبض مبالغ نقدية. وسبق أن كتبنا عن فساد هذه الإدارة أكثر من مرة. كما خاطبت شخصيا وزير الصحة الأسبق، الأخ عبدالله الطويل، عن الموضوع نفسه، ولكنه، ترك الوزارة من دون أن يتمكن من قهر البيروقراطية الفاسدة.
من المعروف لدى الكثير من الجهات المعنية بالصحة أن نسبة المصابين بأمراض وبائية ومعدية بين العمالة الوافدة تزيد كثيرا عن النسبة المسموح بها. ولو كانت إجراءات الفحص الطبي دقيقة، وما تخرش الميه، لما نجح أحد في تجاوزها بهذا الشكل الخطير، وذلك لتقدم وسائل كشف حالات المصابين بالأيدز والسل والكبد الوبائي وغيرها من الأمراض الخطيرة!
وفجأة أبدت إدارة الفحص تشددا في عمليات الكشف الصحي على العمالة الوافدة، وهو الأمر الذي نعتقد أنه لن يستمر طويلا، حيث رفضت تجديد إقامات عمال فقط للشك في إصابتهم بـ«السالمونيلا»، أو التسمم الناتج عن تناول أطعمة فاسدة!! ولو استمرت الإدارة في تشددها، بعد كل سنوات الاسترخاء والانبطاح، فإن نصف العمالة الوافدة ستصنف بـ«غير لائق صحيا»!!
من جانب آخر، نشرت إدارة حكومية أخرى أرقاماً عن نسب العمالة الكبيرة في البلاد، وبشكل رمزي من دون الإشارة إلى أسماء الدول التابعين لها. كما أعلنت تلك الجهة، وبعد سنوات من التسيب والفساد والمتاجرة بقوت هؤلاء العمال البؤساء، عن نسب العمالة التي سيتم الاستغناء عنها، وإلغاء إقاماتها، والحديث هنا يتعلق بمصير مليون عامل وموظف تقريبا!!
فمن أين أتت هذه العفة المفاجئة لدى هذه الجهات؟ وكيف يمكن للدولة، ولكل الأنشطة التجارية والعقارية، استيعاب هذا التخفيض المفاجئ من دون تداعيات سلبية هائلة عليها؟
لا خلاف في أن العمالة، والهامشية منها بالذات، تزيد كثيرا عن حاجة البلاد، أفرادا وأسرا ومؤسسات وحكومة، ولكن تخفيضها يجب أن يبدأ من خطة واضحة وسياسة حكومية أكثر وضوحا، وليس بنشر أرقام عن عدد العمالة وتخفيضها إلى النصف بطريقة تفتقر لأدنى درجات الحكمة والإنسانية!!
* * *
ملاحظة: أعلن وكيل الصحة المساعد للشؤون القانونية قبل شهر عن تشكيل لجنة للنظر فيما أثير عن وجود تلاعب في نتائج فحص التهاب الكبد الوبائي للعمالة الوافدة، ولا نزال بانتظار نتيجة التحقيق الجبلية، التي لن يتمخّض عنها حتى فأر صغير.
أحمد الصراف