للصيف نكهته وعشاقه وكتاباته، فلا سياسة في كتابات الصيف إلا عند الضرورة لا قدر الله، أو هكذا يجب. وقد يأتي الصيف ويرحل بلا ضرورة. لكن الكويتيين حفظهم الله يعشقون السياسة ويعيشون بها وعليها، فنجوم المجتمع هنا هم الساسة، وكتّابه ساسة، ورياضيوه ساسة، واقتصاديوه ساسة، وأطباؤه ساسة، ومهندسوه ساسة، وطباخوه ساسة، وفنانوه ساسة، وأمطاره ورياحه وشمسه وبره وبحره كلهم ساسة، وكل ما يتحرك على الأرض يدور في فلك السياسة.
وقد أحصيت عدد رسائل القراء الإليكترونية التي تطالبني بالكتابة في السياسة هذه الأيام فوجدتها أربعا وسبعين رسالة، جاءت كلها في يوم واحد بعدما كتبت مقالة ابتعدت فيها عن مرابع السياسة واتجهت إلى الحياة الأخرى. متابعة قراءة السمك الإيراني… فتنة
اليوم: 21 أغسطس، 2008
قراءة في ظاهرة الدعاة
قد تكون أمة دول مجلس التعاون اكثر امم الارض، بعد اميركا، ولعا بالدعاة الجدد الذين اصبح الكثير منهم رجال اعمال وشخصيات مرموقة وفي مصاف نجوم السينما والتلفزيون، وهذا لا ينطبق على الدعاة المخلصين الذين لا يسمع بأعمالهم احد، وهم الاكثر صدقا وتأثيرا، على الرغم من قلتهم!
ترتبط ظاهرة الدعاة الجدد بانتشار القنوات الفضائية الدينية وزيادة نسبة اموال البترودولار المخصصة لمثل هذه الانشطة، التي تبدو دينية في مظهرها، ولكن في جوهرها موغلة في السياسة.
لا نريد ان نبخس احدا حقه في نيل الاجر والثواب من وراء القيام بوظيفة داعية، ولكن لا يمكن في الوقت نفسه غض النظر عن رغبة الكثير من هؤلاء في الشهرة وتحقيق الثروة، خصوصا ان المسألة سهلة ولا تحتاج لأكثر من حفظ بضعة نصوص ونصائح وامتلاك قدر من الكاريزما والثقة بالنفس. وما يساعد عادة في تسهيل مهمة هؤلاء ما يمتاز به السواد الاعظم من شعوبنا من جهل واتكالية وعدم رغبة في «تدويش الدماغ»، وبالتالي ترك الامر للغير لينصح ويفتي ويبين ويوضح.
من حقنا التساؤل عن سبب عدم ظهور هؤلاء الدعاة، وبهذا الكم وهذه الاناقة المفرطة قبل عشرين عاما مثلا، ولماذا ظهروا الآن فقط، هل جد شيء لكي نصبح فجأة اكثر حاجة اليهم؟
لا شك ان لزيادة عدد السكان علاقة بالأمر، اضافة الى نفسيات نسبة كبيرة من شعوبنا الذين تزايدت لديهم وتيرة الحيرة والارتباك والتضارب بين ما هو حرام وما هو عكس ذلك في كل هذا الخضم الضخم من المستجدات التي تنهال على الجميع، والتي لا تعرف الغالبية كيفية التصرف معها، خصوصا ان موجة التدين في اللبس والتصرف والمظهر التي حدثت لدى الكثيرين في السنوات الاخيرة دون وعي او ترتيب ذهني مسبق احتاجت الى من يبررها في نظرهم. كما ان وجود اكثر من ٢٥ قناة فضائية دينية تبث على مدار الساعة زاد من الطلب على الدعاة النجوم، وقد اخبرني احدهم انه يعمل في رمضان في ثلاث قنوات مرة واحدة. وساعد استعانة هؤلاء الدعاة بطرق الدعوة الاميركية في زيادة التكالب عليهم ودورهم الايجابي في عملية جمع التبرعات، خاصة بعد ان حول البعض الدين الى سلعة تجارية، مطالبين الشباب باستبدال سيئاتهم بحسنات، وكأنهم يطلبون منهم استبدال سياراتهم القديمة بأخرى جديدة!
ولكن لم الدعوة؟ لا شك ان هناك نصوصا دينية تبرر القيام بها. وربما كان ذلك مهما ومصيريا في السنوات الاولى للدعوة المحمدية، ولكن بعد مرور ١٤ قرنا، وتجاوز عدد المسلمين المليار بكثير، فإن الحاجة اصبحت اقل الحاحا، خصوصا ان الغالبية العظمى، ان لم يكن جميع الذين يتم اقناعهم، بطريقة او بأخرى بالتحول الى الدين الاسلامي، هم من الطبقات الدنيا متواضعي التعليم والخبرة والثراء المعرفي والمادي، والذين لا يرجى منهم خير كبير، ومن الافضل بالتالي توجيه قوة الدعاة، هذا اذا كانت هناك قوة حقيقية منظمة، توجيها لرفع مستوى المسلم التعليمي والثقافي، بدلا من زيادة نسبة البسطاء وانصاف المتعلمين بينهم.
ولو ألقت دول الخليج النفطية، والممولة الرئيسية لمهمة الدعاة، نظرة سريعة على احوال مسلمي العالم، لوجدت ان الجهل والفقر والمرض تفتك بغالبيتهم، وانهم بحاجة الى أمثال رجل الاعمال البنغالي محمد يونس اكثر من حاجتهم لمحمد عوض او محمد هداية او عمرو خالد او محمد العوضي!
أحمد الصراف