لا أعتقد ان هناك ديموقراطية في العالم تشهد شيئا مماثلا لما يتعرض له بلدنا من استخفاف شديد في قضية إصدار التشريعات التي يترتب عليها التزامات مادية وأخلاقية على الدولة حيث ان البعض منها يكلف الخزينة العامة بشكل مباشر مليارات الدنانير والبعض الآخر يتسبب بنزوح مليارات أخرى من القطاع الخاص للخارج والبعض الثالث ساهم حتى اليوم بخفض ممتلكات وموجودات المواطنين الى النصف وأكثر والبعض الرابع يسيء لعلاقاتنا مع الدول الأخرى مما يهدد وجودنا.
والحقيقة ان أي تشريع لا يصدر في الديموقراطيات الأخرى إلا بعد سنوات من الدراسة والبحث والمرور على عشرات اللجان الفرعية المشكلة من الأحزاب المختلفة وقد عمد المشرع في تلك البلدان الى خلق مثل تلك الأدوات التي تدعو للتأني حتى لا تتورط بلدانهم وشعوبهم وأجيالهم المستقبلية بتشريعات مستعجلة هي خلاصة ردود أفعال عاطفية أو مدغدغة أو منفعلة للقاء نائب مع ناخب علما بأن جميع نواب تلك البلدان المتقدمة هم ساسة محترفون يتم تدريبهم لسنوات طوال ضمن الأحزاب القائمة.
أما لدينا فيصل الى البرلمان في بعض الأحيان من أتى من الديوانية مباشرة دون ان يتلقى أي تدريب على العمل السياسي أو إصدار التشريعات، لذا ما إن يسمع بمقترح من أحد حضور ديوانيته أو من صديق حتى يصوغه على شكل تشريع يحاول بعد ذلك إرغام أو إحراج زملائه النواب كي يوافقوا عليه دون إحساس بخطورة ذلك التشريع على سمعة الكويت الدولية أو مستقبل أجيالها.
وتفتقر ديموقراطيتنا بشدة لدور فاعل للمحكمة الدستورية حتى تدرس وتقيم وتسقط التشريعات غير الدستورية (90% من التشريعات المدغدغة المطروحة تتعارض مع روح ونصوص الدستور) كما يحدث بشكل متواصل في مصر والولايات المتحدة وأغلب الديموقراطيات الأخرى.
لقد تسببت التشريعات غير المدروسة والمستعجلة بتوقف تام لمشاريع B.O.T وخروج مليارات الدنانير التي كان بإمكانها ان تحيل صحراءنا القاحلة إلى عمران نستمتع به ويجلب لنا السائحين من الدول القريبة والبعيدة، كما تسبب تشريع انفعالي آخر بتقييد يد البنوك في منحها القروض والتسهيلات متناسين ان هذا هو عمل البنوك في العالم أجمع، كما صدر قبل مدة تشريع تسبب في الأضرار الفادحة بالشركات المساهمة المدرجة بالبورصة والتي يمتلك أسهمها مئات آلاف المواطنين.
لقد ارتفع سعر النفط بشكل مؤقت.. وارتفعت الأسعار في العالم كله وليس في بلدنا فقط ولم نسمع بمن قام بإصدار تشريعات مستعجلة تحيل بلده الى دولة شيوعية جديدة تتكفل من خلالها الحكومة بكل شيء، ان الأسعار التي ارتفعت عادت للانخفاض التدريجي ولا حاجة لخلق حالة «اسهال» تشريعي لمعالجة تلك المشكلة المؤقتة فالكويت بلد قائم على الاقتصاد الحر الذي يضمن خفض أسعار السلع فيه التنافس الحر وسيادة مبدأ العرض والطلب.
آخر محطة:
«الكويتية» مؤسسة يعمل بها آلاف الكويتيين وقد صدر عبر الانفعال والاستعجال حكم الإعدام عليها وعلى العاملين فيها حيث لم يشهد العالم قط خطة تخصيص شركة طيران مدتها أقل من 5 سنوات من العمل الجاد كما جرت العادة بتخصيص جميع قطاعات الدولة الأخرى قبل المساس بمؤسسة الطيران ومن ذلك نجد ان شركات الطيران مازالت حكومية في دول مثل سنغافورة ودبي ولبنان ومصر والبحرين وغيرها رغم خصخصة قطاعات الدولة الأخرى منذ عقود.