تعتبر اسرة الصباح من اكثر اسر الدولة والمنطقة تسامحا وانفتاحا، وقلما تجد بينهم من اشتهر بتشدده الديني، سواء فكرا أو ملبسا او حتى في مظهره الخارجي، وان وجد فعن بساطة وسذاجة اكثر من اي شيء آخر.
ويورد التاريخ ان الشيخ سالم مبارك الصباح رفض مطالب الاخوان الوهابيين، وهو محاصر في القصر الاحمر، بضرورة قيامه بمعاقبة المدخنين ومحبي الطرب من مواطنيه، بحجة عدم قدرته دخول بيوتهم او التجسس عليهم!
قبل ايام ناشدت الشيخة الفاضلة فريحة الأحمد، التي ترأس لجنة المرأة المثالية، الآباء ضرورة استغلال العطلة الصيفية في ما ينفع ابناءهم، وتجنب السفر الى البلاد التي تكثر فيها المفاسد، لكي لا يعودوا بأمراض جنسية مميتة او عادات مخالفة للدين والتقاليد (!!) وحذرت الشباب من اجراء عمليات تجميل للتشبه بالنساء او قيام النساء بعمليات تجميل معاكسة، كما حذرت من السفر الى بلاد تمارس فيها طقوس عبدة الشيطان، كما ناشدت الحكومة ولجان العمل الاسري والجمعيات التعاونية عمل برامج مكثفة لبناء «الفكر التربوي» والثقافي والشرعي (!!).
قد لا تكفي صفحات «القبس» للرد والتعليق على تصريح الشيخة الفاضلة، ولكن سنختصر تعليقنا في النقاط التالية:
اولا: الصيف اصبح في منتصفه، ولا وقت بالتالي للتخطيط في كيفية قضائه في ما تبقى من وقت، وفي دولة لا يقرأ 99% من شعبها كيفية التصرف بأعز ما لديه.. فما بالك بالتفكير في الطريقة المثلى لقضاء اجازة تتضمن فكرا تربويا؟!
ثانيا: كانت المناشدة ستصبح مفيدة لو تضمنت اسماء الدول التي لا توجد فيها امراض جنسية، ولا تكثر فيها المفاسد، ولا توجد فيها عادات مخالفة للدين والتقاليد، ولا تجرى فيها عمليات تجميل، وانا شخصيا وجميع المواطنين ربما، لا نعرف الدول التي يكثر او يقل فيها عبدة الشيطان، فمن العبث بالتالي تحذير اسرة عطشى لقضاء اجازة بعيدا عن حر الكويت وغبارها، من الذهاب الى دولة لا وجود لها على خريطة العالم، هذا مع الافتراض ان الكويت تخلو تماما من كل هذه الشرور والموبقات والاخطار والاوبئة والامراض الجنسية، وانها الجنة الصحية والعقلية المنشودة التي لا يمرض ولا يهرم فيها احد، اي شنكريلا القرن الـ 21!!
ثالثا: ان اعطاء مشكلة المثليين كل هذا الثقل من الخطورة امر خطير في حد ذاته، فهؤلاء ليسوا إلا نتاج هذا المجتمع الذي يعود باصوله لآلاف السنين، والتي كانت مشكلة المثليين جزءا لا يتجزأ منه، وكتب التاريخ التي تغوص في التراث تمتلئ بقصص هؤلاء حتى في اكثر العصور الاسلامية تشددا.. فهذه ظاهرة بشرية لا يجدي التصدي لها بالضرب والقتل والنفي في الارض، بل بالمعالجات الجنسية والنفسية والطبية المعروفة للتخفيف منها، وليس للقضاء عليها.. فالارحام تلد المزيد من هؤلاء كل يوم وكل دول العالم بالنسبة نفسها تقريبا، وبالتالي فان دول العالم الاخرى، يا شيختنا الفاضلة، بريئة من التهمة.
رابعا: لقد سافر آباؤنا، وقبلهم اجدادنا، الى اكثر مدن العالم فسادا ومجونا في الهند وجنوب شرق آسيا وافريقيا، وعادوا سالمين، ولم يُفت. احد وقتها بمنع سفرهم خوفا من تعرضهم لعادات مخالفة للدين والشريعة، فلماذا سكتنا وقتها.. هل لاننا كنا في حاجة لما نأكله؟
نكتفي بهذا القدر، ونتمنى على شيختنا الكريمة سعة الصدر وقدرا اكبر من التسامح، فما تطالب به، ان طبق، سينتج عنه عدم سفر احد الى الخارج في صيف السنة المقبلة.. وهنا ستتحول الكويت الى اكبر سجن في التاريخ!
أحمد الصراف