قبل نحو شهر قررت أن أصبح برجوازيا من شلة الـ «بي أو تي» ومشاريع «الخاء راء طي»، فاصطحبت السيد الفاضل أبي عنتر وشقيقتيه وتركت «بو عزوز» في البيت يحمي غيابنا ويكمل شهره السابع، ويممت وجهي شطر إحدى المدارس الأجنبية في منطقة الجابرية الشقيقة بعدما قررت نقل أولادي من القاع إلى القمة أو من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة. وهناك نبهتني مسؤولة شؤون الطلبة إلى أن تلاميذ مدارس الحكومة سيتساقطون مع أول طلقة تخرج من المدارس الخاصة، فوضعت رجلا على رجل وتنحنحت وصححت معلوماتها: سيدتي الفاضلة، أنتِ لا تعرفين «الحاجّة عزة» ابنتي «غلا» التي كُرّمت لتفوقها في الصف الثاني وامتلأت خزانتها بالجوائز. فقذفت المسؤولة بقفاز التحدي في وجهي: ما رأيك لو أجرينا اختبارات لأبنائك الثلاثة؟ يا سلام، على الرحب والسعة.
دخلوا قاعة الامتحان، وخلال ربع ساعة لا أكثر خرج الأستاذ بو عنتر مكفهرا مقبلا مدبرا معا يحك رأسه ويزم شفتيه، وخرجت بعده المعلمة حاملة ورقة إجابته وقد كُتبَ في أعلاها كلمة واحدة بالإنكليزية «zero»! فقلت لأبي عنتر: أتعرف ماذا أتمنى؟ عصابة تختطفك وتطالبني بفدية تفوق استطاعتي. دعواتك.
وبعد نحو ساعة خرجت الآنستان «ميري» و«الحاجة عزة» أو روان وغلا، وتضاريس وجهيهما لا تختلف عن تضاريس وجه شقيقهما. أما ميري فلا أستغرب خبر رسوبها فهي مشغولة بالطبخ ورقص الباليه ولم تتجاوز الصف الرابع إلا بمساعدة الخيرين من أبناء هذا الوطن المعطاء، ولكن التعويل كله كان على رأس الحربة، الحاجة عزة. لكن الحاجّة بكت فضممتها إلى صدري وعزيتها: «ليس بالضرورة أن تحققي الدرجة الكاملة، ثمانون بالمئة تكفي»، وخرجت المعلمة ومعها الورق، وقد كتب في أعلى كل ورقة: «zero» في الإنكليزية، «zero» في الرياضيات… ومن شر حاسد إذا حسد.
الجميل أنهم تعطفوا وتلطفوا معي ووافقوا على قبول أبي عنتر فقط على اعتبار أنه لم يكمل السادسة من عمره، ومعه وقت لتدارك الكارثة. أما الآنستان فلنذكر محاسنهما.
ويوم أمس استغرب البعض خلو المراتب الأولى في نتائج القسمين الأدبي والعلمي لهذا العام من الكويتيين، بينما اكتسح المصريون وأكدوا تفوقهم بما لا يدع مجالا للشك ولا العك، امسكوا الخشب، أو امسكوا بأي لوح كويتي لم يغضب لتدني مستوى تلاميذنا.
توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق، وعلى ذمة الزميل عبادة أحمد من قسم الاقتصاد في صحيفة الراي، كان يشير إلى أن أولوياته الثلاث الأولى هي «التعليم التعليم التعليم». والتعليم هو القضية الأهم في بريطانيا، والخبر الرئيسي في صحفها، والنواب هناك يقلبون عاليها واطيها لو شعروا بأن أسئلة اختبارات المدارس جاءت سهلة، ويتهمون الوزير بأنه قام بهذا التصرف في محاولة غير شريفة للإيحاء بأن الأمور عال العال والدليل ارتفاع نسبة النجاح.
الوزيرة نورية الصبيح، القابضة على زمارة رقبة التعليم العام قبل سقوط الدولة العثمانية بثلاثة أيام، إن لم أكن مخطئا، خرجت علينا في الصحف وهي تضغط باصبعها على الكمبيوتر وعلى أعصابنا أيضا وتبتسم وتزف لنا البشائر بارتفاع نسبة النجاح. كلولولولش… وللحديث بقية إن لم ينقطع خيط العمر.