التقيت بصديقي وزير الإعلام السابق، في مجلس محفوف وخاص. كان يبدو عليه القرف والتشاؤم من أداء مجلس الأمة، وأبدى تخوفه على مستقبل البلاد ان استمر الحال على هذا الوضع، وقال إن الحل يكمن في حل المجلس خمس سنوات، وهذا ما يجب ان تدفع به الصحافة «الحرة»!
وافقته لكي اتخلص من الحاحه بعد ان تبين لي أنه ليس من قراء مقالاتي، وليس في ذلك أي غضاضة، فلو كان يقرأ ما اكتب لما اسر لي برغبته الدفينة تلك، حيث سبق ان كتبت عن الموضوع نفسه قبل يوم من ذلك اللقاء معارضا الحل غير الدستوري.
في اليوم التالي ذهبت إلى أحد المستشفيات لإجراء فحوص طبية، وبدلاً من انتظار النتيجة قمت بالتجول في أروقة المستشفى، وأخذني صديق طبيب إلى الطوابق السفلى، حيث المختبرات ومخازن الأدوية وغرف التحضير وإجراء بعض الفحوصات الطبية.
خرجت من المستشفى وقد انتابني الأسى والألم لوضعه «الكسيف» والمخجل، في طريق العودة، وعلى الطريق السريع، شاهدت كم الإعلانات الدينية التي قامت جهات مجهولة بتلطيخ الجسور والأعمدة بها، بحيث لا تعرف هل أنت في طريق سريع أم في ساحة مدرسة دينية.
كما شاهدت كم الأوساخ والاتربة التي تجمعت مع الوقت على حواجز الطريق وشوهت منظره البائس أصلا، وجعلت الأمر يبدو وكأنك تقود مركبتك وسط صحراء كلهاري.
اضطررت يومها للخروج من المكتب مرة ثانية للقيام بزيارتي عمل لمصلحتين حكوميتين، وهناك، لأجل الصدف (!!!) شاهدت كم كان أثاث تلك المكاتب بائسا، وكم كانت وجوه العاملين فيها كالحة حزينة، وكم كانت المعاملة سيئة لمن يلبس دشداشة، فما بالك بمن كان في مثل حالتي، ببدلة ومن غير شعر رأس أو لحية أو حتى شارب خفيف؟!
وهنا توقفت وسألت نفسي هل يا ترى لو تم حل مجلس الأمة حلا «انقلابيا» لخمس سنوات، سينصلح وقتها حال مستشفياتنا وتزدهر أحوالنا وتجارتنا وتتعدل أوضاع وزاراتنا وتختفي الرشوة ولا تطلب الرشفة من كل عقد وقيد ومعاملة؟ هل مجلس الأمة البائس هو الذي سمح، وعلى مدى أربعين عاما تقريبا، لمشكلة البدون ان تكبر لتصبح في حجم الكارثة؟
هل مجلس الامة السيئ الذكر هو الذي سمح بكل هذه التجاوزات والتعديات على املاك الدولة سواء في المناطق الصناعية او الشاليهات او الدواوين؟ هل مجلس الامة كان هو السبب في استمرار انقطاع الكهرباء عن دولة تنتج ثلاثة ملايين برميل يوميا من الوقود، وجله يستخرج للبيع؟
وهل مجلس الامة، بالرغم من كل مساوئه، هو الذي منع الصرف على رفع مستوى الخدمة في كل مخافر الدولة ووزاراتها؟
وهل مجلس الامة، الذي لم نشاهد اسوأ من ادائه في السنوات الاربع الاخيرة، هو الذي تقاعس عن تجنيس الكفاءات، ومنح الجنسية لمن يسوى ولا يسوى، وتغاضى عن المتاجرة بالبشر وسمح بالتعدي على حرماتنا وكشف سجلاتنا بسبب سوء افعال مؤسساتنا الخيرية؟
فيا صديقي الوزير السابق، والذي اخترت الاستقالة دون ان «تبق البحصة»، ربما خوفا على ما تبقى من مصالحك التجارية، فإن الحكومة، التي كنت يوما عضوا فيها، هي السبب الاساسي وراء سوء اوضاعنا، وهذا لا يخلي اعضاء مجلس الامة من المسؤولية عن سكوتهم عن سوء اداء الجهاز الوظيفي! ولكن يعذر هؤلاء لانهم في غالبيتهم لا يفقهون كيف يديرون الخاص من اوضاعهم، فما بالكبمهمة التصدي للتشريع والقيام بأعمال الرقابة والترشيد لاعمال الحكومة؟
وعليه فإن مطالبتك يا الحبيب بالتخلص من مجلس الامة، ولو لسنة واحدة، لا يوجد ما يبررها، وليست بالتالي في مصلحة الوطن و.. المواطن، ولا نود هنا ان نقول ابحث عن المستفيد، ولكننا قلناها!
أحمد الصراف