محمد الوشيحي

من بتوع آسيا

تماما كمن سقطت منه قطعة معدنية صغيرة على السجادة، كنت أفعل أثناء مذاكرتي لمادة الرسم الهندسي أيام الدراسة الجامعية. لا أراكم الله مكروها في عزيز! كنت أركع على ركبتيّ واللوحة أمامي وألصق وجهي على الأرض لأتخيل الشكل الهندسي، ملتفتا يمينا مرة ويسارا مرة لعلّي أجد الضالة وأكتشف حلا للغز، لكن محاولاتي كلها كانت تبوء بالفشل الباهر. ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، ومادة الرسم الهندسي على رأس قائمة «ما له طاقة لنا به». في أحد الأيام، أراني الدكتور رسما من الأعلى وطلب مني تحديد ماهيته، فأجبته بعد تفكير بأن «هذا منظر جمل بسنامين اثنين من بتوع آسيا الوسطى بالتأكيد»، فسكت، سكت طويلا، وخيم الصمت على القاعة، ثم تنهد بكل مخزونه الاستراتيجي من الأنفاس، تنهد بعمق العمق، وانتفخ صدره وأوداجه، وأطرق، وأدركت بأنني في خطر، سترك اللهم، وأخيرا قال وهو يهرش جبهته: «والله يا ابني لو كان الجمل ده موجود عندي دلوقتي كنت ركبتك فوق ظهره وبعثتك لمستشفى المجازيب (المجانين). يخرب بيتك. ده جامع بمئذنتين يا بتاع جمل آسيا الوسطى». قال ذلك ثم ضرب كفيه أحدهما بالآخر، فقلت محاولا تلطيف الأجواء: «مئذنة واحدة تفي بالغرض طال عمرك، ما الحاجة للمئذنة الثانية، هذه مشكلتنا نحن المسلمين نهتم بالمظهر…»، ففقد أعصابه وصرخ بأقصى حباله الصوتية: برا، برا، برا، خد الجمل الآسيوي بتاعك واخرج برا تال عمرك. فصرخت بدوري وأنا في طريقي إلى خارج القاعة: مادتك ثقيلة على القلب، ولو حملتها معي على ظهر جملي لأصابه ديسك في عضلة الفخذ. اتق الله يا رجل. جامع بمئذنتين. غدا ستسألني عن رسم هندسي لمستشفى بذيل تيس. ارحم من في الأرض. جامع بمئذنتين رضي الله عنك؟
عقدة كانت تمثل لي هذه المادة. ذكراها مرعبة هي ودكتورها. تذكرت ذلك بعدما اتصل بي صديق وقال معقبا على ما جاء في مقالي السابق: صحيح أنني ضعيف في مادة اللغة العربية، وكانت هي عقدتي، لكنني مع ذلك أظنك مخطئا في حكاية التاء المفتوحة، وراح يبين لي الخطأ من وجهة نظره ويسوق الأمثلة. فقلت له بعدما أنهى كلامه: أنا مثلك لدي عقدتي الخاصة، مادة الرسم الهندسي، أما اللغة العربية فلدي منها ما يعينني على السفر، وكلامك هذا يؤيده بعض القراء في تعليقاتهم على المقال ذاته في موقع الجريدة على الانترنت، ويبدو أنني اختصرت الأمر أكثر من اللازم.
كنت قد كتبت بأن «كل كلمة تنتهي بتاء مفتوحة هي فعل». ومن يعترض ويدلل بكلمات مثل (بيت، ميت، بنت، نبات…)، أقول له بان «التاء» في الكلمات هذه من أصل الكلمة، أي أننا لم نقم بإضافتها كما في الأفعال: «جرى جريت، قام قمت، نام نامت…». حتى كلمة «طالبات»، مثلا، نجد أن التاء من أصل مفردها، وهي «طالبة». وقد بحثت وسألت عن كلمة «رجالات» التي نستخدمها بكثرة فعرفت بأن الأصح هو «رجال»، وبالنسبة للحروف الثلاثة (لا، ثم، رُبّ) وإمكانية إضافة التاء المفتوحة لها، فهذا صحيح لكنها من اللغة المنقرضة… الشرح يطول ويطول فاختصرته لأولي الألباب. ولا أعيب على من يخطئ في نطق كلمة أو كتابتها، هذا وارد، العيب عندما تكون الكلمة معروفة للعامة ودارجة بكثرة فيخطئ بها النخبة وركاب الدرجة الأولى في طائرة الثقافة… واعيباه.

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *