معالي وزير المواصلات عبد الرحمن الغنيم رجل دولة من الطراز الفاخر، تماما كما أن الزعيم الهندي الراحل غاندي بطل في رالي دكار… وزيرنا، أو وزير الشيخ ناصر المحمد الذي رأى فيه رجل المرحلة المؤهل لرعاية مصالحنا، وقّع بيده الكريمة على «وثيقة» إعدام الديمقراطية، أو وثيقة الدواوين كما سمّوها، ثم تراجع واعتذر. وكما تعلمت في مدرسة عبد الرحمن الدعيج المتوسطة للبنين، وفي الحياة أيضا، فإن من يشرب الحليب لا يعتذر. من يعتذر هو من أخطأ فقط.
إذاً رجل الدولة الفاخر عبد الرحمن الغنيم أخطأ، وخطأه لا يدخل من باب الأخطاء غير المقصودة، أي كما لو أنه كان يقود سيارته والنافذة مفتوحة فدخلت ورقة تائهة عليه وهو غافل «ما عنده من الشيطان طاري»، فأخرجت الورقة التائهة قلمه من جيبه وسحبت يده بقوة ليمضي عليها… هذا لم يحدث، إنما هو من وقّّع وبكامل إرادته وإدارته، فوقع هو بنفسه من شاهق.
كثيرا ما اشتكت أقلامنا صرف الحبر على نصائح نسوقها لسمو رئيس الحكومة، وننتقد فيها طريقة اختياره الوزراء ونوعيتهم، لكن نصائحنا كانت مثل كرة المطاط، نطلقها بقوة فتعود إلينا بالقوة نفسها، ومثل الشتيمة تعود إلى صاحبها، وهي لم تكن شتيمة إطلاقا، بل كنا حينها نتحسس كلماتنا، ونلونها بالألوان الهادئة ونغلفها وننثر فوقها ورود الهدايا، الحمراء الداكنة، ولم يصدقنا، حماه الرب، وها هو اليوم يكشف لنا ويكتشف، للمرة المليون، كم هي سيئة طريقته، بعد «العملة السودة» لوزير المواصلات. وهي واحدة من عمايل تجلب للوطن الحساسية وشلل الأطفال. متابعة قراءة اللي بعده
اليوم: 19 يونيو، 2008
المباحثات الكويتية – العراقية السرية إبان قاسم
في 14/7/58 حدث الانقلاب الدموي الاسود في العراق وتظهر الوثائق السرية للادارة السياسية في كل من اميركا وبريطانيا انهما لم تمانعا في استفراد الطاغية قاسم بالحكم، وقيامه بالتخلص من القوى القومية، كونه اخف الضررين مقارنة بالرئيس عبدالناصر صاحب الشخصية الكاريزمية الذي حرض شعوب المنطقة عليهما، واسقط عدة انظمة موالية لهما.
وكان قاسم قد خرج لاستقبال الشيخ عبدالله السالم عندما زار بغداد في 25/11/58، مما يعني تعامله معه على انه رئيس دولة مستقلة، لذا كان مستغربا ان يطالب بالكويت بعد اعلان استقلالها في مثل هذا اليوم عام 61، وقد قيل ان من مبررات تلك المطالبة المستهجنة اشغال الشعب العراقي عن مشاكله الداخلية المتزايدة، والمزايدة على القوميين في مسألة الوحدة العربية، وقد صدرت عن الجانب العراقي كتب عدة تحدثت عن مباحثات كويتية – عراقية سرية تمت ابان تلك الفترة المضطربة، ولم يصدر عن الجانب الكويتي شيء حتى اليوم، لذا سنناقش تلك الفكرة كما طرحت من الجانب العراقي لنثبت انها تظهر حنكة ودهاء كويتيا اخذ من تلك المباحثات كل شيء ولم يعط شيئا ولم يقر قاسم على مطالبه.
فقد صدر قبل ايام من مكتبة مدبولي كتاب «السياسة الخارجية العراقية 1958 – 1963» للباحث العراقي د.قحطان الحمداني، واتى ضمنه ان اللواء الداغستاني صرح ابان محاكمته امام المهداوي بأنه كان ينوي القيام بانقلاب يبقي فقط الملك فيصل الثاني في الحكم، ويحتل على اثره الكويت عبر خديعة اسماها «حركة مغوار» تتلخص في ارسال عسكريين عراقيين على شكل مدنيين يدخلون الكويت ثم يتم بشكل مفاجئ احتلالها، ويدعي الكاتب ان قاسم أصر عند انشاء منظمة الاوپيك في بغداد عام 60 على ان تسمى بمنظمة «الاقطار» المصدرة للنفط لا منظمة «الدول» المصدرة للنفط حتى يمكن له الادعاء بأن الكويت ليست دولة في وقت لاحق، سؤال عارض: لماذا لا نتقدم بمقترح بتسميتها منظمة الدول بعد ان استقلت جميع الاقطار المصدرة للنفط بعكس ما كان عليه الوضع عام 60 وما بعده؟
ويظهر الكتاب حقيقة ان الشعب العراقي ممثلا بحركاته السياسية الفاعلة كحزب البعث وحركة القوميين العرب والناصريين حتى الحزب الشيوعي العراقي، كانوا جميعا رافضين لتلك المطالبة آنذاك عبر بياناتهم المعلنة، كما كسبت الكويت المعركة الديبلوماسية حسب قول الكاتب عبر اعتراف 62 دولة بها وتبادل التمثيل الديبلوماسي مع دول عديدة اخرى، ويستطرد المؤلف في الحديث عن مباحثات كويتية – عراقية سرية تمت في زيورخ واثينا وبيروت عامي 62 – 63 واستمرت حتى سقوط الطاغية.
ويرى الباحث في كتابه المعادي للكويت في بعض اجزائه أن تلك المباحثات دلت على «ان الديبلوماسية الكويتية كانت اكثر براعة وحنكة»، فقيام المباحثات بحد ذاته يعني اعتراف قاسم بالكويت ونظام حكمها ككيان منفصل بعكس ما يشاع، كما ان المفاوض الكويتي لم يتزحزح قيد أنملة عن المطالبة بالاعتراف الكامل والعلني باستقلال دولة الكويت قبل الحديث عن اي امر آخر، ويرى الكاتب في الختام ان الكويت استطاعت بدهاء شديد وعبر تلك المباحثات المطولة ان تكسب عامل الوقت وتحد من احتمال حدوث هجوم مباغت عليها من قبل قاسم بعد ان ارتحلت القوات البريطانية والعربية عن ارضها، واستمرت المباحثات السرية حتى تم اسقاط نظام حكمه عام 63، الشهادة للكويت من باحث خصم اجدى واقوى من شهادة باحث صديق.
آخر محطة:
(1): الجميل في تاريخنا انه وبعكس تاريخ امم عديدة اخرى لا شيء فيه يدعونا للخجل او عدم الحديث عنه طالما تسلحنا بالفكر والعلم والتنظير والمعلومة التاريخية الصحيحة مع القدرة على رد الحجة بالحجة.
(2) كشف لنا الكتاب ان اللواء غازي الداغستاني هو ضحية اخرى لـ «حوبة» الكويت الشهيرة.
(3) احال صدام خديعة «حركة مغوار» التي تحدث عنها اللواء الداغستاني الى حركة اخرى شبيهة اضاعته واحالته الى ضحية اخرى للحوبة.. والعبرة لمن اعتبر.
بعثات «من حديد»!
من الآن فصاعدا، يجب على الدولة أن «تضرب بيد من حديد هذه المرة»… أولئك الناس، مَنْ يطلق عليهم اسم «مسئولون» في قطاعات الدولة المختلفة، مَنْ لا هم لهم إلا تحقيق مصالح شخصية وفئوية وطائفية… على الأقل، نريد أن «نبرد قلوبنا» لنسمع ولو مرة واحدة «أن اليد التي من حديد» ستضرب ولو لمرة واحدة في حياتنا، المسئولين المخطئين والمتورطين والمتجاوزين.
بصراحة، لقد مللنا كثيرا تلك اليد «التي من حديد» من كثر ما ضربت وضربت على أيدي المواطنين! هي مرة واحدة… مرة واحدة «تضرب تلك اليد» مَنْ يعبث بالمال العام، ومَنْ يعبث باستقرار السلم الاجتماعي، ومَنْ يعبث بالقوانين، ومَنْ يعبث بالبعثات والمنح…
مناسبة هذا الكلام، هو أن الناس… الكثير من الناس من مواطنين ومقيمين مستحقين، وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، كانوا يعضون أصابعهم حسرة وألما وندما على فوات البعثات عن أبنائهم وبناتهم المتفوقين، والكارثة، أنه اكتشفوا بعد مضي سنوات طويلة، أن تلك البعثات والمنح لا تذهب كلها إلى متفوقين مستحقين… بل يذهب بعضها إلى «فوقيين» غير مستحقين.
المهم، لا أعتقد أن وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي، سيغفل عن إخضاع هذه المهمة السنوية الصعبة للغاية، ألا وهي البعثات، للتدقيق والمراقبة حتى لا يعبث بها من عبث… وعفا الله عما سلف، لكن لا يجب أن يترك «الخلف»… وأقصد هنا من يثبت عليه تلاعبه بالبعثات سواء كان ذلك أمس، أم قبل عامين، أم قبل عشرين عاما، لطالما أن ملف البعثات الآن في أيد أمينة… في الحفظ والصون لدى سمو رئيس الوزراء، كما أعلن الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي فاضل عباس عن قيام التجمع بتسليم سموه التقرير الذي أعده التجمع بشأن تجاوزات لجنة وإدارة البعثات بوزارة التربية والتعليم.
على مدى سنوات، ومنذ بداية عملي في مهنة «المتاعب» في العام 1988، التي هي الأخرى تتعرض دائما للضرب بيد من حديد من الذي يسوى والذي لا يسوى، عايشت الكثير الكثير من معاناة المئات من الأسر التي حرم أبناؤها المتفوقون من البعثات… والآن، بدأنا نكتشف المخفي رويدا رويدا!
الجانب المهم للغاية، بل أعتبره شخصيا حدثا من أهم الحوادث التي شهدناها هذا الأسبوع، هو استقبال سمو رئيس الوزراء مجلس إدارة جمعية التجمع الوطني الديمقراطي للمطالبة بتدخل سموه لمساعدة المتضررين من هذه التجاوزات… الآن، سيجعل أولئك الذي نتمنى من اليد التي من حديد أن تضربهم… من المتورطين طبعا ولا نعني أي إنسان والسلام… لقاء سمو رئيس الوزراء سيجعلهم يتظاهرون بأنهم «قمة في المواطنة والإخلاص للوطن والمواطن والسير على نهج ولي الأمر»
الغول والعنقاء ومطالبنا العشرة
باختصار شديد، وغير مخل، يمكن القول ان المخرجات البائسة في عمومها لصناديق الانتخابات البرلمانية الاخيرة هي في محصلتها نتاج قرار سيادي سارت عليه حكومات عدة.
لتغيير الوضع بشكل جذري لمصلحة الوطن ومستقبل هذا الشعب الذي تم تغييب قراره على مدى ثلاثين عاما، فإن امام السلطة احد طريقين:
قصير، ويتمثل في حل مجلس الامة حلا غير دستوري لاجل غير محدد، ومن ثم انجاز جميع الاصلاحات والتغييرات المطلوبة لنهضة الشعب، وجعل الكويت في الطليعة، خليجيا على الاقل، من خلال خطط خمسية يتم الالتزام بها بدقة!
ولكن هذا الحل تكتنفه محاذير عدة ولا يمكن قبوله دوليا، اضافة الى ان احتمال رفضه محليا ومقاومته بشتى الطرق، امر وارد، فإذا كان بمقدور البذالي ارسال من يريد للعراق للموت هناك فبإمكان غيره تجنيد من يشاء داخل الكويت!! وفوق هذا وذاك من يضمن ان الحكومة ستعرف كيف تتصرف وان يكون اعضاؤها قادرين ومهيئين لعملية الاصلاح وانهم اهل لها، ويمتلكون الكفاءة والامانة، وما ادراك ما الامانة في هذا العصر؟!
اما الطريق الآخر، فإنه اطول من سابقه ولكنه اقل خطرا، من الناحية السياسية، واكثر ضمانا في معالجة اوجاع الدولة وامراضها.
يجب اولا: قيام الحكومة بسد أذنيها عن كل مطالب النواب الشخصية، والغريب من رغباتهم والسخيف من اقتراح قوانينهم، ولها في سبيل تحقيق ذلك اللجوء إلى جميع الوسائل المشروعة اما القول إن معاملاتهم ستمرر ولكن بعد ازالة اسماء النواب عنها فهو الخراب بعينه.
ثانيا: التركيز على التربية ومن ثم التربية، ولا شيء غير التربية عن طريق اعادة النظر، من خلال المؤسسات المتخصصة التابعة للامم المتحدة في كامل مناهج التعليم، والتخلص نهائيا من دروس الحفظ والتلقين المتخلفة!! نقول ذلك بعد ان فقد الامل تماما في الجيل الذي انهى تعليمه، والامل يكمن فقط في اطفال المستقبل.
ثالثا: حل كل المبرات والجمعيات واللجان الخيرية، وتحويل ارصدتها لبيت الزكاة، وحل مجلس ادارة البيت وتعيين طبقة مثقفة وكفؤة لادارته بعيدا عن اي محاصصة مذهبية او حزبية، فأموال هذه الجمعيات هي التي ساهمت بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تشكيل الفكر المتواضع لناخبي الكويت، فقطع عصب القوة عن الجمعيات الدينية المسيسة يجب ان يعطى اولوية قصوى.
رابعا: تحديث قوانين التجارة والاستثمار لتواكب العصر، وتسهل دخول المستثمر الاجنبي، وتحفز الصناعة والمشاريع الجديدة.
خامسا: اصدار سلسلة قوانين تعنى بمكافحة الارهاب وتقضي على تبييض الاموال.
سادسا: الاهتمام بسمعة الكويت في المحافل الدولية واعطاء الاهمية المطلوبة لقضايا حقوق الانسان ومعالجة اي انتهاكات بحزم.
سابعا: تشديد قبضة الامن ومنع كل الفئات المخالفة من دخول البلاد، والتوسع في منح الاقامات الدائمة او الطويلة الامد لمن قضوا في البلاد فترات طويلة بسجل امني نظيف، وتسهيل اقامة الكفاءات واصحاب رؤوس الاموال.
ثامنا: مراجعة تراخيص التجارة والغاء غير المجدي والمفيد منها، فلا يعقل ان يكون في الكويت ما يقارب 1200 اقامة على محل بنشر وتصليح عوادم المركبات (اكزوست او اشكمان)، والكويت ليست بحاجة إلى أكثر من 50 محلا!!
تاسعا: القضاء بصورة نهائية على ظاهرة التسول والمتاجرة بالاقامات عن طريق فرق تفتيش لديها ضبطية قضائية.
عاشرا: منح البدون كافة اقامات لعشر سنوات مثلا والسماح لهم بالدراسة والعمل والالتحاق بالجامعات، ومراقبة اوضاعهم ومنح المجتهد والبارز منهم جنسية الدولة لحين الانتهاء من المشكلة بصورة طبيعية.
على ان يتم القيام بكل هذه الامور ضمن خطط سنوية وخمسية تخضع لمراقبة المجلس ومحاسبته.
واخيرا: نكتب للتسلية فقط، فنحن على علم تام بأن لا احد يود او يرغب او يشتهي او يريد او يملك الشجاعة او القرار لتطبيق اي من هذه الامور، دع عنك جميعها.
أحمد الصراف
habibi [email protected]