الامبراطور الفرنسي الشهير أو سيد أوروبا الأول، كما كان يحب أن يلقبه الناس، أو «عاشق الخرائط» كما لقّبه المؤرخون، نابليون بونابرت كانت إحدى أولى خطواته لتحقيق حلمه بالسيطرة على أوروبا، هي تحديث جيشه تدريجيا. لا كما فعل قادة الثورة الخمينية في إيران عندما أعدموا وأبعدوا كبار قادة الجيش دفعة واحدة، الأمر الذي أبرز مساحة من الفراغ المرعب في الجيش الإيراني استغلها الجار المتحفز صدام حسين بحرب دامت ثماني سنوات، خسر فيها الطرفان وانتصرت إسرائيل، باعتراف المدير السابق للموساد الداهية إفرايم هالفي في كتابه «رجل في الظِلال».
سخر كبار الضباط الفرنسيين عندما رأوا شبابا لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والثلاثين يتقلدون رتبة ماريشال، وهي الرتبة التي لم يكن يحلم بها أحد دون سن الستين على الأقل، قبل عهد نابليون. وانتشرت النكات بين الفرنسيين حينها: «نجح تلميذ في مدرسته فكافأه أبوه برتبة عقيد»، «ظهرت بعض الشعيرات في ذقنك يا ابني، سأصحبك غدا إلى بونابرت ليمنحك رتبة جنرال»… كانت النكات تصل إلى بونابرت يوميا، كيف ولا وهو مؤسس «الجاسوسية» في العالم، وكان يرد: «اجلسوا هنا وتابعوا ما سيفعله هؤلاء الفتيان في أوروبا». وبالفعل داس «الفتيان» أوروبا بأحذيتهم العسكرية واحتلوا الامبراطوريات، الواحدة تلو الأخرى… لم يكن بونابرت يتوقف عن مدح الشباب وقدح كبار السن: «فرنسا ليست عجوزا، فرنسا شابة تتقد حيوية»… ولولا أطماعه الزائدة عن المعقول لكانت الخارطة الأوروبية تختلف عما هي عليه الآن.
الكويت اليوم تقودها حكومة تتكئ على العصا، ترتجف يداها ورجلاها عجزا، تجاعيد وجهها تستسلم أمامها المساحيق، ويعلن الطب عجزه عن علاج خلاياها الميتة، سعالها يزعج الجيران «كح كح كح»، ومع ذلك كله لا تكف عن إقناعنا بقدرتها على السباق وقفز الحواجز.
الشباب مغيبون في هذا البلد إلى أن يشيخوا وتشيخ أفكارهم. ولو عرضنا على رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد الاستعانة بمن هم دون الخمس والثلاثين سنة في حكومته لرفع سماعة الهاتف وطلب لنا مدير مستشفى الأمراض العقلية! المصيبة أن شباب الأسرة الحاكمة مغيبون أيضا، ومن يتم توزيره منهم عليه أن ينجح في «اختبار الصمت» أولا. خذوا الشيخ صباح الخالد مثالا، لا قدوة بالتأكيد… الشباب الذين يمتلكون القدرة على الحديث والمواجهة يجلبون الإزعاج لغرفة النوم، أو مقر الحكومة… وكثيرا ما فكرت في إيقاظ النيام بالمرور بسيارتي أمام غرفتهم (مقر الحكومة سابقا) والضغط بأقصى قوتي على جهاز التنبيه «الهرن»… طااااااط (المد بالألف وليس بالياء).
أحلم باليوم الذي يسلم فيه ناصر المحمد الراية لمن هو دون الأربعين سنة ليستريح ويريح. بشرط أن يكون الرئيس الجديد ممن يمتلكون عقلية أوروبية أو قطرية.