الامبراطور الفرنسي الشهير أو سيد أوروبا الأول، كما كان يحب أن يلقبه الناس، أو «عاشق الخرائط» كما لقّبه المؤرخون، نابليون بونابرت كانت إحدى أولى خطواته لتحقيق حلمه بالسيطرة على أوروبا، هي تحديث جيشه تدريجيا. لا كما فعل قادة الثورة الخمينية في إيران عندما أعدموا وأبعدوا كبار قادة الجيش دفعة واحدة، الأمر الذي أبرز مساحة من الفراغ المرعب في الجيش الإيراني استغلها الجار المتحفز صدام حسين بحرب دامت ثماني سنوات، خسر فيها الطرفان وانتصرت إسرائيل، باعتراف المدير السابق للموساد الداهية إفرايم هالفي في كتابه «رجل في الظِلال». متابعة قراءة ممنوع الإزعاج
اليوم: 17 يونيو، 2008
أسباب التراجع
ذكرنا في مقال سابق أن احد اسباب تخلف الكويت الرئيسية والحقيقية هو النظرة السوداوية التي ترى في كل مشروع كبير سرقة كبرى رغم وجود أجهزة رقابية فاعلة غير مسبوقة كمجلس الأمة وديوان المحاسبة وجمعيات أهلية مختصة كحماية المال العام، وجمعية الشفافية ذات البعد الدولي، وفي جميع تلك الحالات تنتهي الدعاوى بإلغاء المشاريع الكبرى التي يطلق عليها معارضوها السياسيون عادة «سرقة العصر» بدلا من ضمان شفافيتها لإفادة البلد من عوائدها في وضع هو أقرب لقطع الرأس لعلاج الصداع فيه.
فقبل مدة وإبان عضويتنا في مجلس إدارة «الكويتية» تم اقرار عملية تحديث اسطول المؤسسة بتمويل ذاتي وعبر الاقساط الطويلة لشراء 19 طائرة ايرباص 320 بسعر 45 مليون دولار للطائرة و19 طائرة بوينغ 787 بسعر 110 ملايين دولار للطائرة من شركة مساهمة كويتية هي «الافكو» وقد استدعى مجلس الإدارة احد المسؤولين الطارئين ليخبرنا بأنه علم أن سعر طائرة الايرباص لا يتجاوز 28 مليون دولار وهو أمر اشاعه لدى كبار المسؤولين، وكان تعليقنا ان ذلك السعر ان صدق المسؤول – وقل ان يصدق سامحه الله – يعني ان مفاوضي المؤسسة اما غير اكفاء او غير امناء، وفي الحالتين هم مقصرون يستحقون المحاسبة، إلا ان معرفتنا بأسعار الطائرات المعلنة في العالم تدل على استحالة وجود مثل تلك الأسعار المتدنية.
وبدلا من ان يحافظ المسؤول على تلك الصفقة «اللقطة» مع شركة «الافكو» الكويتية حتى يحصل على احسن منها – ان استطاع – قام بإلغائها، وشكل لجنة برئاسته للحصول من المصانع على اسعار افضل، وتظهر محاضر اجتماعاته مع الايرباص انهم عرضوا 54 مليون دولار سعر بيع للطائرة الواحدة، وما يقارب 135 مليون دولار لطائرة البوينغ مع عدم وجود التزام بتسليم مبكر للطائرات، مما ادى في النهاية لحل لجنة الوزير بعد شهر من تشكيلها، وقد قرأنا قبل ايام في الصحف ان شركة «الافكو» باعت 5 طائرات ايرباص بـ 325 مليون دولار لاحدى الشركات الكويتية اي ما يقارب 65 مليون دولار للطائرة الواحدة، فخسرت «الكويتية» تبعا لذلك فرصة الحصول على طائرات حديثة رخيصة وبأقساط مريحة، وصدر ما هو اقرب لحكم اعدام عليها مع اضاعة فرصة تعويض بعشرات ان لم نقل مئات ملايين الدولارات من شركة بوينغ بسبب التأخير المعلن في تسليم طائرات 787 للعملاء، واصبحت الكويتية وآلاف من موظفيها وسلامة طائراتها في مهب الريح، ولم تعد كلمات «الخصخصة» تعني إلا مهدئات كاذبة لما قبل موت مؤسسة كويتية عريقة تجاوز عمرها نصف القرن.
وقبل عقد ونصف العقد دعينا كإعلاميين للقاء المسؤولين عن القطاع النفطي واستمعنا لحديث فني من مختصين كويتيين عن ضرورة الاستعانة بالشركات الاجنبية كحال جميع الدول النفطية الاخرى حتى المعادية للغرب كإيران وليبيا وعراق صدام حسين وكان مما قاله المختصون في حينها ان الطرق البدائية لاستخراج النفط تجهد وتدمر المكامن النفطية بينما يمكن عبر التقنية الحديثة استخراج النفط من المكامن الصعبة في الشمال حتى تتم اراحة حقول برقان في الجنوب فتتم تبعا لذلك اطالة امد المخزون النفطي للدولة لسنوات عدة، مرة اخرى ألصق بذلك المشروع مسمى «سرقة العصر» وتم ايقافه دون ان يخبرنا احد – كإعلاميين وكمواطنين – المبررات الفنية التي تفند مقولة الخبراء النفطيين الكويتيين الذين استمعنا لهم وعن السبب في قطع رأس آخر بدلا من علاج صداعه عبر وضعه تحت مظلة اي جهة رقابية يختارها المعترضون.
آخر محطة:
خوفنا في السابق من سرقات العصر جعلنا نتوقف عن بناء المستشفيات والجامعات والجسور والمشاريع الكبرى وضمن ذلك ما نسمعه حقا او باطلا هذه الايام عن سرقة عصر اخرى في مصافي النفط، حتى لا نزداد تخلفا نرجو خلق نظام محاسبي ورقابي جديد يبقي المرضى احياء لا أمواتا كدلالة على نجاح العمليات، ويبقي كذلك الرؤوس فوق الاجساد عند معالجة الصداع.
السلطة أو الحكومة؟
تشارك الكويت في جميع أنشطة الأمم المتحدة ولديها ما يزيد على 80 سفارة في العالم، وتقوم بصرف مبالغ طائلة على تحسين صورة الكويت ومواطنيها بشتى الطرق، سواء بالدفع مباشرة لمؤسسات صحفية، وعربية بالذات في صورة اشتراكات، أو تقديم مساعدات مالية لعدة دول أو تنفيذ مشاريع حيوية فيها.
ويغلب على تلك المساعدات كونها تقدم لدول فقيرة، ويتصادف أحياناً ان يكون لتلك الدول نفسها مواطنون يعملون في الكويت.
لو نظرنا إلى هذا الوضع من واقع ما نشر عن قيام الولايات المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بإدانة الكويت بسبب سوء سجلها فيما يتعلق بقضايا الاتجار بالبشر وسوء تعاملها معهم، وبالتالي وضعها في «القائمة السوداء» لوجدنا ان جزءا كبيرا مما تصرفه الكويت في صورة مساعدات مالية أو مشاريع حيوية يضيع بسبب سياسة الحكومة العنصرية ضد مواطني تلك الدول العاملين لدينا! فالمثل الشامي يقول «لاقيني.. ولا تغديني»!! أي ان تحسن استقبالي بطيب المعاملة والكلام خير من ان تعطيني ما جئت من أجله بطريقة تخلو من اللياقة!
ان مشكلة العمالة المتواضعة الإمكانات التي تعيش بيننا، والمستغلة بشكل سيئ، من قبل عدة شركات، مشكلة معروفة ومحددة المعالم، كما ان عدد تلك العمالة المهضوم حقها معروف، كما تعرف الحكومة، أو السلطة، الأطراف المتاجرة بقوت هؤلاء والمتسببين بتمريغ سمعة الكويت في الوحل!، كما تعرف الحكومة أو السلطة، علاج المشكلة وكيفية رفع اسم الكويت من القائمة السوداء السيئة السمعة.
ولكن بالرغم من كل ذلك لا يود أحد ان يتحرك لكي لا يخسر زيد 5000 آلاف دينار دخلا سنويا من اصدار 10 اقامات لرعاة ابل، أو يخسر عبيد مبلغا مماثلا لعشر إقامات خدم منازل وسائقي سيارات وبنشرجية!!
ان مسؤولية وضع الكويت في القائمة السوداء لا علاقة لها بخراب مجلس الأمة، ولا بسوء مخرجات الانتخابات الأخيرة، وليس للسلف ولا للإخوان، ربما للمرة الأولى، علاقة بالموضوع بصورة مباشرة، بل المسؤولية تقع بكاملها على السلطة أو الحكومة، ولا أحد غيرها، فبيدها المعلومة وبيدها الحل وبيدها قرار اتخاذه وأي كلام غير هذا لا جدوى منه.
فهل أصبحت سمعة الكويت، وحقوق آلاف البشر الذين تقوم فئة معينة بالاتجار بقوتهم وبكامل مصيرهم أمرا غير ذي أهمية لدى حكومتنا الوقورة والرشيدة والعاقلة والإصلاحية؟ الف علامة استفهام.
أحمد الصراف
habibi [email protected]