كان المسئول الأمني الكبير بوزارة الداخلية صريحا في النقاش، واضحا فيما يطرح من آراء تتعلق بالحراك السياسي في المجتمع، وخصوصا على صعيد تنظيم المسيرات والاعتصامات… لقد سنحت الفرصة لأن أفتح باب النقاش مع ذلك المسئول الذي يتمتع بحس وطني عال بشأن مدى إيجاد تصور مناسب، ووفقا للقانون يمنح الناس الحق في التعبير عن آرائهم من خلال المشاركة في المسيرات والاعتصامات، بعيدا عن التصادم العنيف والأعمال المؤسفة التي تنتهي بها بعض تلك الأنشطة.
ولا أشك في أن ذلك الرجل يدرك جيدا أن من حق الناس تنظيم المسيرات والاعتصامات والاحتجاجات التي لا تتضارب مع القوانين المنظمة، وأن هذا الحراك أصبح أمرا طبيعيا في بلد منح الحق للجمعيات السياسية لأن يكون لها دور في الحياة العامة، وعن أسباب تدخل قوات الأمن بالصورة التي ترتفع معها أصوات الناشطين السياسيين والمنظمين تحت عنوان «القمع» فإنه لم يتردد في تأكيد أن الأنشطة المرخصة ذات الأهداف السلمية لا يمكن التصدي لها بقوة، إلا في حال مخالفة القوانين! فلا يمكن السماح بإغلاق طرقات رئيسية والتأثير على مرافق حيوية؛ لأن المسيرة مرخصة فقط… وأنا أتفق معه في هذه النقطة، وقد طرحت هذا الموضوع مرارا هنا، لأن الأنشطة السلمية مطلب مهم ومستمر في البلد، ولكن العنف والعنف المضاد لا يمكن قبوله من أي طرف كان.
الملاحظة التي طرحها المسئول الأمني هي التأجيج والمعالجة غير الموضوعية التي يتبناها بعض الصحافيين، وخصوصا أولئك الذين ينقلون آراء ووقائع ليست حقيقية من أجل تأجيج الوضع وتأليب الناس، فلو كان الأمر مقتصرا على كتاب الأعمدة فهذا رأيهم، ولكن في حال تغطية حوادث أمنية فليس من اللائق بالمحررين نقل كل ما يقال من دون تمحيص وتفكير فيما يمكن أن يسببه هذا النقل (غير الصادق) للجمهور. وفي الآونة الأخيرة، وجدت شخصيا أن هناك مقارنات هي الأخرى ضارة بالأنشطة السلمية، بل وتضر أيضا بكل حركة مطلبية ذات أهداف وطنية صادقة، ومنبع هذه المقارنات طائفي مع شديد الأسف… هناك فئة صارت تجري المقارنات للمسيرات والاعتصامات تحت مسمى «السنية والشيعية»، فهذه الفئة تفترض الآتي:
– مسيراتكم تخريبية ذات أبعاد تدميرية، ومسيراتنا وطنية صادقة مخلصة، مسيراتكم تستهدف النيل من مكتسبات الوطن والترصد للإضرار برجال الأمن، حتى لو كانوا منكم وفيكم، وإلحاق الأضرار بالممتلكات العامة والخاصة، ومسيراتنا هادئة، مرخصة ولا تنحو المنحى المدسوس، مسيراتكم تنطلق من تآمر خارجي، ومسيراتنا نابعة من انتماء وطني بحريني، مسيراتكم تهدف للنيل من القيادة ومن الرموز السياسية ومن الطائفة الأخرى،ومسيراتنا تهدف للفت نظر القيادة وايصال رسالة إلى الرموز السياسية، مسيراتكم ينظمها ويديرها ويخربها الأطفال والمراهقون حتى بوجود رموز المعارضة وعلماء الدين، ومسيراتنا يتصدرها الرجال والشخصيات الوطنية المعتبرة وتنتهي بسلام.
قد تكون قائمة المقارنات طويلة، ولكن ضررها لا يستثني أحدا في البلد، وهي واحدة من المقارنات التي لم تعد خافية على أحد، وفي كل الحالات فإن تعريض أمن الوطن والمواطن، وتصعيد المواجهة العنيفة بين مختلف التيارات، وتنفيذ السيناريوهات لن يجلب لنا سوى المزيد من العذاب… كيفما كانت مسيراتنا ومسيراتكم