احمد الصراف

السلام والعلم ومرجعيون

تباينت ردود الفعل على رفض النائب محمد هايف، الوقوف في حفل رسمي اثناء عزف النشيد الوطني. كان البعض مستهجنا وآخرون مستحسنين، وهؤلاء كانوا في غالبيتهم من غلاة رجال الدين. والغريب ان الصورة التي احدثت كل تلك الضجة بينت كذلك وقوف ضيوف آخرين من اتجاه النائب نفسه، وفي الصف نفسه، فكم سلف هناك غير العلمي والعلمي!
قامت بعض الصحف المحلية بسؤال مجموعة من رجال الدين عن رأيهم في تصرف النائب، فقال احدهم انه فعل حسنا، فالوقوف لسماع السلام الوطني مكروه لعدم وجود ما يبرره «شرعا»! وقال آخر إن تحية العلم لا تجوز شرعا، بل هي بدعة محدثة! ومن الواضح ان من قال ذلك، او افتى به، لم يسمع ان المسلمين، ومنذ اول ايام الرسالة، كان لهم علم مميز يحمله محارب قدير وان سقط في الحرب حمله من هو بعده.. وهكذا! وصرح رجل دين ثالث بأن تحية العلم وتقبيله واجلاله، حرام شرعا!
على الرغم من ان احترام العلم ورفعه على الصواري وعلى الدوائر الرسمية وتمييز سفارات الدولة به، واداء التحية له، مدنيا وعسكريا، امور محدثة ــ كما صرح هؤلاء ــ فان من الواضح ان هناك عشرات آلاف الامور المحدثة التي يتسابق رجال الدين هؤلاء وغيرهم لاستخدامها بالرغم من انها امور محدثة او طارئه او جديدة، بل ان هؤلاء غالبا ما يصرون على ان يكون طلبهم من احدث طراز وآخر تصميم وأحدث موديل!
سنتفق مع المعادين لتحية العلم وللوقوف للسلام الوطني واحترام النشيد الوطني، على أنها امور «محرمة شرعا»، على الرغم من ان ايا منهم لم يورد سببا مقنعا يبين فيه سبب التحريم الشرعي. ولكن، هل كل ما يقوم به المسلم اليوم في هذا الزمن المتشابك في علاقاته والمتداخل في اموره هو في حقيقته متسق مع شرع هؤلاء، وهو بالتالي حلال عند الجميع؟ ألم يعارض متولي الشعراوي طويلا غرف العناية المركزة في المستشفيات بحجة انها تبقي المريض حيا من خلال اجهزة انعاش، وبالتالي هي ضد ارادة الله، وما ان اصيب صاحب هذا الرأي بالمرض حتى نقل بطائرة ملكية الى لندن ليبقى اسير العناية المركزة لشهر ليعيش بعدها سنوات طويلة؟
وماذا عن حكم الملالي في طهران، ألم يأخذوا من الامور قشورها عندما رفضوا ارتداء ربطة العنق، بحجة انها تقليد للشيطان الاكبر ولم يتوانوا في اللحظة نفسها عن ارتداء ما يصنعه هذا الغرب الكافر من قماش لأطقم ملابسهم وحرير عباءاتهم ونظارات قراءاتهم الدينية وأسلحة دمارهم؟!
للسيد محمد هايف حق رفض الوقوف عند عزف السلام الوطني ورفض تحية العلم، ولكن هل سيرفض القسم على احترام الدستور، وهو بدعة؟ وهل سيرفض فكرة استعراض حرس الشرف، وهي ضلالة؟ وماذا سيكون رأيه في الاستعانة بالخبراء الدستوريين والمحكمة الدستورية، وكلها مستجدات محرمة شرعا؟ وماذا عن رئيس السن وانتخابات اللجان، واصوات النساء التي اتت به نائبا، وعشرات، لا بل مئات القضايا الخلافية المستحدثة الاخرى التي لا يستطيع احد الفكاك منها، حتى لو اراد، الا اذا هجر الدنيا وما فيها وسكن كهفا بعيدا منفردا وحيدا؟! وهذا لن يحدث، فالسيارة المجانية والهاتف الخلوي وجواز السفر الخصوصي ووفود الصيف الاوروبي كلها في انتظار نوابنا، وامام كل هذه الاغراءات تهون مرجعيون.

أحمد الصراف
[email protected]

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *