محمد الوشيحي

عالخصر التنورة

كتبت في مقالي السابق، أول من أمس، أن الكويتيين بريئون من تهمة الذكاء، فدارت محركات تكنولوجيا الاتصالات بأقصى سرعاتها؛ البريد الالكتروني لم يهدأ، رسائل الهاتف النقال تزاحمت على باب «صندوق الوارد»، الاتصالات والتعليقات حاصرتني برا وبحرا وجوا… وكلها تدور حول نقطة واحدة: لماذا اتهمتنا «ظلما» بالغباء؟ وكأنني مواطن من السلفادور، الدائرة الرابعة.
في طريقي لتفسير جملتي تلك، سأقفز الحقيقة المعروفة بأن عدم الحصول على الشيء لا يعني التحول إلى نقيضه، أي أن الإنسان غير الثري ليس فقيرا بالضرورة، وغير الطويل ليس قصيرا بالضرورة، كذلك غير الذكي ليس غبيا بالضرورة، لكنه بالتأكيد ليس ذكيا… سأقفز هذا لأتمعن في وجه ذكاء الشعب الكويتي وأصف ملامح وسامته.
نحن شعب، لفرط ذكائه، لا يقرأ، ويبدو أن قدوتنا هو جورج بوش الابن (له قصص طريفة في عدم حبه للقراءة، منها أنه لم يقرأ تقارير وكالة الاستخبارات الأميركية المكدسة على مكتبه في شهر أغسطس عام 2001، أي قبل تفجير البرجين بنحو شهر، وكانت تقارير الاستخبارات تلك تطلعه على ورود معلومات مؤكدة عن عزم تنظيم القاعدة القيام بعمل إرهابي كبير في أميركا «قريبا»)… ثم اننا شعب، لحدة ذكائه، يختار الأصوليين من الطائفتين نوابا له ثم يحك رأسه بدهشة مستغربا خلافات النواب حول قضايا تاريخية على حساب نهضته.
نحن شعب نظر إلى أسفل قدميه فوجد كنزا تتقاتل عليه الأمم المتطورة، ونظر على مستوى عينيه فرأى ثروة على هيئة دستور كدستور الدول المتقدمة صاغه آباؤه الأفذاذ، فماذا فعل؟ عاث في الكنز والثروة فسادا… لله در هذا الشعب ما أذكاه.
نحن شعب تدخل في خزانته مليارات الدولارات شهريا، ولدينا مطار يتيم تخجل الكلاب من قضاء حاجتها فيه (المضحك أن المسؤول السابق عن المطار وطائراته السبع عشرة كان قد بعث تعليقا على مقال انتقدت أداءه فيه، فتحدث عن «انجازاته ونجاحاته» وعزا ذلك إلى «تعاون القيادات الوطنية» هاهاها)… نحن ورغم ملياراتنا لدينا جامعة واحدة، مقطوعة من شجرة، تشارك المطار النواح ليليا، ولم نغضب.
نحن شعب يبحث أبناؤه عن الوظائف فتعلن حكومته في صحف الدول العربية عن حاجتها لمدخلي بيانات، ولم نغضب… نحن شعب أكاديميته العسكرية يتحكم فيها الوافدون ويمنعون الكويتيين من دخولها، ولم نغضب، وفوق هذا يتم تكريم رئيس الأكاديمية بترقيته إلى رتبة لواء وتسليمه شؤون الأمن العام، ولم نغضب.
نحن شعب لديه بلدية صاغ الهنود الحمر عن الرشوة فيها قصائد ومعلقات، ولم نغضب… نحن شعب يتلقى خدمات صحية هي الأسوأ مقارنة ببعض الدول الفقيرة، ولم نغضب… شعب خدمات حكومته التعليمية ينتقدها العرب والفرنجة، ولم يغضب…  شعب تسحبه حكومته للخلف ويرفض الوزراء الظهور في الفضائيات لمواجهة تساؤلات الناس، ولم يغضب… شعب لا مصانع لديه، لا مختبرات «عليها القيمة»، نظم الاتصالات في دولته فاشلة ولم يغضب، الشوارع مصابة بالجدري ولم يرف له جفن، مباني الوزارات ومرافق الدولة مهترئة ومؤجرة ولم يتحرك.
شعب يشاهد ما يحصل في لبنان والعراق نتيجة الانقسامات ولم يتعظ! ومع هذا كله وغيره نجده يغضب إن قيل بأنه «ليس ذكيا».
«بصحة روسكم»، تعالوا ننسى ونغني مع نصري شمس الدين أغنيته الرائعة… «عالدورة ويلي عالدورة يابا عالدورة، زنّار وطعجة عالخصر التنورة، عالدورة يا أم الأصفر والشال يلوح، زاف التنورة مزهّر بشلوح شلوح…». كم هي رائعة هذه الأغنية.

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *