كتبت في مقالي السابق، أول من أمس، أن الكويتيين بريئون من تهمة الذكاء، فدارت محركات تكنولوجيا الاتصالات بأقصى سرعاتها؛ البريد الالكتروني لم يهدأ، رسائل الهاتف النقال تزاحمت على باب «صندوق الوارد»، الاتصالات والتعليقات حاصرتني برا وبحرا وجوا… وكلها تدور حول نقطة واحدة: لماذا اتهمتنا «ظلما» بالغباء؟ وكأنني مواطن من السلفادور، الدائرة الرابعة.
في طريقي لتفسير جملتي تلك، سأقفز الحقيقة المعروفة بأن عدم الحصول على الشيء لا يعني التحول إلى نقيضه، أي أن الإنسان غير الثري ليس فقيرا بالضرورة، وغير الطويل ليس قصيرا بالضرورة، كذلك غير الذكي ليس غبيا بالضرورة، لكنه بالتأكيد ليس ذكيا… سأقفز هذا لأتمعن في وجه ذكاء الشعب الكويتي وأصف ملامح وسامته.
نحن شعب، لفرط ذكائه، لا يقرأ، ويبدو أن قدوتنا هو جورج بوش الابن (له قصص طريفة في عدم حبه للقراءة، منها أنه لم يقرأ تقارير وكالة الاستخبارات الأميركية المكدسة على مكتبه في شهر أغسطس عام 2001، أي قبل تفجير البرجين بنحو شهر، وكانت تقارير الاستخبارات تلك تطلعه على ورود معلومات مؤكدة عن عزم تنظيم القاعدة القيام بعمل إرهابي كبير في أميركا «قريبا»)… ثم اننا شعب، لحدة ذكائه، يختار الأصوليين من الطائفتين نوابا له ثم يحك رأسه بدهشة مستغربا خلافات النواب حول قضايا تاريخية على حساب نهضته. متابعة قراءة عالخصر التنورة
اليوم: 3 يونيو، 2008
من تحت قبة البرلمان
نبارك للرئيس جاسم الخرافي ثقة الشعب عبر ممثليه به، متمنين ان يتجاوب النواب الافاضل مع دعوة ابو عبدالمحسن للتهدئة والبعد عن التأزيم والتركيز على ما ينفع ويسر الناخبين من تسريع في عمليات البناء والتنمية وحل مشاكل الغلاء والبطالة والصحة والمرور.. الخ، فقد قارب الشعب الكويتي على الكفر بالعملية الديموقراطية من كثرة الضجيج والطنين وقلة الطحين.
رئاسة المجلس التشريعي هي – بروتوكوليا – المنصب الثاني في الدول، لذا يتم العمل على استقرار ذلك المركز المهم والبعد به عن الاهواء والمزايدات التي تحيط باجواء العمليات الانتخابية عادة، وقد جرى العرف على التمديد بشكل آلي لمن يتولى ذلك المنصب من قبل الكتل والاحزاب السياسية، لا تعريضه كل عامين او اربعة لعمليات الانتخاب والمنافسة.
ففي الكونغرس الاميركي يتولى بالتعيين نائب الرئيس الذي قد يكون جمهوريا رئاسة مجلس الشيوخ الذي قد يكون ديموقراطيا في اغلبه، وفي بريطانيا ام الديموقراطيات الحديثة يتفق الحزبان عادة على شخصية رئيس البرلمان ويتم تثبيته في ذلك المنصب لسنوات طوال، وقد جرت الاعراف الا يتم ترشيح منافس له في دائرته الانتخابية كما يتم التجديد له بالرئاسة حتى لو فاز الحزب المنافس بأغلب كراسي البرلمان، وهو ما تم عندما بقيت رئيسة البرلمان البريطاني المحافظة حتى مع اكتساح حزب العمال للانتخابات اللاحقة.
ان العملية الديموقراطية في الدول المتقدمة وحتى في دول العالم الثالث لا تكتفي بالنصوص بل تخلق اعرافا راقية يتم الالتزام بها كديمومة مركز الرئاسة واعطائه الاستقرار اللازم، وقد تكون احدى الفوائد المكتسبة من خلق مثل ذلك العرف في الكويت البدء بخلق او تفعيل مواد محاسبة النائب الذي يخل بالانظمة المرعية او يسيء لسمعة المجلس.
فعبر ما يقارب نصف قرن من التجربة البرلمانية في الكويت، تمت محاسبة واستجواب واعفاء واقالة واستقالة عشرات الوزراء، وفي المقابل لم يتم قط محاسبة نائب واحد حتى بالحدود الدنيا او رفع الحصانة عنه، رغم ان عدد النواب يفوق عدد الوزراء بثلاثة اضعاف، وقد يكون السبب الرئيسي والاساسي في ذلك الامر المتوارث هو عدم استقرار منصب الرئاسة وجعله عرضة لرضا وغضب النواب بعكس رئاسة السلطتين الاخريين (التنفيذية والقضائية) مما لا يحتاج الرؤساء فيها لمراضاة مرؤوسيهم.
آخر محطة:
التهنئة القلبية للزميل الزين ماضي الخميس على اختياره مديرا تنفيذيا لشركة ادكس للاعلام، وكذلك على وصول مولودته الاولى «الزين»، مبروك.
السلف و«دزموند توتو»
إبان سيطرة العنصريين البيض على شعب جنوب افريقيا وبلوغ عمليات القتل والتدمير والاغتصاب ذروتها، صرح القس دزموند توتو، رئيس اساقفة جنوب افريقيا، بأن من المؤلم ان يحدث كل هذا القتل والتشريد والتخلف الاقتصادي والحضاري وحتمية التاريخ تقول ان سياسة التمييز العنصري ستنتهي يوما ما، وان اي تعجيل في الاقرار بهذه الحتمية سيكون في مصلحة الدولة وسينتج عنه انقاذ ارواح آلاف الابرياء من موت محقق، وانتشال اقتصاد البلاد من انهيار لا مفر منه!
نقول ذلك على ضوء ذلك الانتصار الباهت الذي حققه السلف في الانتخابات الاخيرة والذي وصفه احد الزملاء بأنه «نصر مبين وكبير وتاريخي لأكبر تجمع سلفي في الكويت»!! فهذا الانتصار لا يزيد على كونه حركة ضد التاريخ وضد التطور البشري وضد الحرية والاتجاه العام للانفتاح على الآخر والتواصل معه بصرف النظر عن لونه وجنسه وجنسيته ومعتقده.
وبالتالي يصح القول ان اي حركة سلفية التفكير والتصرف معادية للاتجاه العام ولحركة التاريخ لا يمكن ان تنتصر في معركة الحياة، ولو فازت بجولة هنا او بنصر مؤقت هناك، فالتطور العصري يتطلب الانسجام مع الحس الدولي العام والاتفاق معه في حركته اليومية واقتصاده وافكاره وتسامحه وبعده عن التطرف في الفعل والقول، وبالتالي من السخف حقا الاصرار على جر الامة لمتاهات فقهية، واعادتها لكهوف التاريخ من خلال رفض مخرجات العصر الحديث ومظاهره وما يعنيه ذلك من ضرورة مواكبة دول العالم الاخرى سعيها الحثيث نحو التقدم والحضارة، كل ذلك بدعوى مخالفة هذه الامور لصحيح الدين وعدم انسجامها مع الشريعة او فقه الجماعة!
فجميع مطالب السلف، او المغالين في الدين، ولأي مذهب انتموا، لا تخرج عن تقصير دشداشة وتطويل طرف عباءة ورفض عطلة السبت، وطرد وفد ستار اكاديمي وتشجيع على الانغلاق والنهي عن التواصل، وحصر المعروف في امور الدين، كل هذه لن تؤدي لرفع المستوى العلمي للمواطن، ولن تساعده في تطور البلد اقتصاديا وتجاريا، بل انها جميعا ستنتهي، شاء من شاء وابى من ابى. ولا ادري بالتالي لماذا لا يقص الجماعة الحق من انفسهم مبكرا، ويعملون بنصيحة القس «توتو» ويقرون بأن ما يسعون لتحقيقه معاد لحركة التاريخ ومآله الفشل، وان رفض الاقرار بذلك لن ينتج عنه غير مزيد من التخلف والتشرذم والفرقة على كل الاصعدة!
نعود ونذكر بوضع لبنان الذي لم يصل الى ما هو عليه من خراب الا بسبب اعتقاد كل فريق، والمتطرف في تدينه منهم بالذات، ان الله والحق معه وليس مع الاخر، فهل نتعلم من حركة التاريخ شيئا؟
ملاحظة: أفهم، وأتفهم، سبب قيام البعض بتقصير اطوال ملابسهم، ما لا افهمه حقا، هو اصرارهم في الوقت نفسه على ان تكون اردية نسائهم طويلة بحيث تجرجر الواحدة عباءتها خلفها على الارض وقد علق بأطرافها الكثير من التراب!! هل لدى احد جواب على هذا السؤال الخالي من الهزل؟
أحمد الصراف
[email protected]