كانت المريضة «الإنسانة»، المسجاة على فراش المرض، في انتظار قطرات الدم التي ستعيد اليها الأمل في الحياة، لكن من عساها تنتظر؟ كانت تنتظركم، أيها البحرينيون الشرفاء، تدفعكم «الإنسانية» أيضا، وعطاء من دين عظيم، وكرم بيت أصيل هو بيت كل أهل البحرين الطيبين.
كانت اللحظة عظيمة جدا، لها من الفرح والألق ما يعجز اللسان عن وصفه، وفيها من مباعث «الغضب» في قلوب البعض، الشيء الكثير، ولربما عض بعضهم أصابع الندم قهرا وحنقا وغيظا لأنهم وجدوا – بعد عناء وشقاء وتآمر و تعصب، أن البحرينيين الشرفاء، لا يمكن أن يدمرهم فيروس الطائفية الذي حاولوا ولا يزالون يحاولون نشره بيننا.
ذلك البعض، الذي يملأ المنابر وخطب الجمعة بما يكدر صفو الناس…ويشحن النفوس ويشحذ السيوف للتطاعن والتناحر، ويتجرع الغصة بعد الغصة في المنتديات الإلكترونية الطائفية، يغضب من دون شك… يغضب حين يرى المواطن الشيعي يعيش ذات الهم مع المواطن السني (مع كرهي لهذا التصنيف)، ويغضب حين يرى من هم في المجلس، يتزاورون ويتحدثون ويسألون عن بعضهم البعض، من الطائفتين الكريمتين، ويغضب حين يشد كل منهما الآخر، فكيف لا يغضب حين يعلم بأن «مواطنة مريضة»، جلبت «البحريني الأصيل» مدفوعا بنخوة «لا سنية ولا شيعية» ليتبرع الواحد منهم بدمه في سبيل إنقاذ هذه المريضة…فقط لأن هذا سمع عن حاجة المريضة للدم، وآخر قرأ اعلانا هنا، وثالث اتصل به صديق له يبلغه بأنه ذاهب الى بنك الدم للتبرع بدمه للمريضة.
هذه الصورة، ما كانت لتغادر مخيلتي وأنا أقف مع أولئك الشباب، الذي ما جاءوا ليتبرعوا للمرضى المحتاجين في بنك الدم، مدفوعين بالولاء للقبيلة أو المذهب أو الطائفة…جاءوا مدفوعين بدافع واحد كريم:ابتغاء وجه الله أولا، ثم ليقدموا صورة حقيقية لا يمكن أن تغتالها محاولات النيل والتفريق والتفتيت من أهل البحرين، فلم يسأل أحد عما اذا كانت المريضة من هذه الطائفة أم تلك.
لن يكون هذا الموضوع بغريب على من توجه لمساعدة تلك «المريضة»وغيرها من المرضى، لكنه سيكون غريبا على من أرهق نفسه كمدا وكراهية ليزداد حنقا على حنق.
سيغضب أولئك الذين لا يريدون أن يروا مثل هذه الصورة، لكن غضبهم سيزداد وسيتضاعف، إذا ما علموا بأن كل ما بذلوه على مدى سنين طويلة من العمل المخزي والحقير والمنكر، ليألبوا الناس في هذا المجتمع الصغير ضد بعضهم البعض، لم تفلح إلا في حدود نفر من أصيبوا بمرض نفسي عضال، جراء تناولهم اليومي، والمستمر، لسموم الطائفية، فما آذوا الى أنفسهم، وما تلوثت إلا دماؤهم، فلم يكن لهم مكان أبدا بين أولئك الشباب، بل والرجال الراشدين الذين رأيتهم يتبرعون بدمهم «غير الملوث»لإنقاذ مواطنة، لمجرد أنهم علموا بأن هناك «إنسانة»من البيت البحريني، تتمدد على فراش أبيض في حاجة الى «دم بحريني».
أحبتي، لا تزال البحرين بخير…حمدا لله.