لستم، وأنا معكم، نرغب في الكتابات الطاحنة التي أصبحت تشق علينا، لذلك، كتبت وأرسلت هذه القصص إلى مئات الناس، لكنني وددت اليوم أن نعيد قراءتها معا، حتى بالنسبة إلى أولئك الذين قرأوها سابقا، فهي واحدة من القصص التي تزيل عنا الكثير من (عفن النفوس)… من كتاب: «إنها ملكة» للشيخ محمد عبدالرحمن العريفي:
حين أسري بالنبي (ص)، شم عليه الصلاة والسلام ريحا طيبة، فقال: «يا جبريل، ما هذه الريح الطيبة؟»، قال:»إنها ريح قبر الماشطة وبنيها وزوجها»… وهنا القصة:
انتشر أمر موسى (ع) وكثر أتباعه، وأصبح المؤمنون برسالته خطرا مستمرا، يهدد فرعون ومُلكه، وظل فرعون في قصره في حال غليان مستمر يمشي ذهابا وإيابا، يفكر في أمر موسى، وماذا يفعل بشأنه وبشأن أتباعه، فأرسل في طلب رئيس وزرائه هامان؛ ليبحثا معا ذلك الأمر، وقررا أن يقبض على كل من يؤمن بدعوة موسى، وأن يعذب حتى يرجع عن دينه، فسخَّر فرعون جنوده في البحث عن المؤمنين بدعوة موسى، وأصبح قصر فرعون مقبرة للأحياء من المؤمنين باللَّه الموحدين له، وكانت صيحات المؤمنين وصرخاتهم ترتفع من شدة الألم، ووطأة التعذيب تلعن الظالمين وتشكو إلى ربها صنيعهم.
وشمل التعذيب جميع المؤمنين، حتى الطفل الرضيع لم ترحمه يد التعذيب، فزاد البلاء، واشتد الكرب على المؤمنين، فاضطر كثير منهم إلى كتمان إيمانه؛ خوفا من فرعون وجبروته واستعلائه في الأرض، ولجأ الآخرون إلى الفرار بدينهم بعيدا عن أعين فرعون.
وكان في قصر فرعون امرأة تقوم بتمشيط شعر ابنته وتجميلها، وكانت من الذين آمنوا، وكتموا الإيمان في قلوبهم، وذات مرة، كانت المرأة تمشط ابنة فرعون كعادتها كل يوم، فسقط المشط من يدها على الأرض، ولما همَّت بأخذه من الأرض، قالت: بسم اللَّه. فقالت لها ابنة فرعون: أتقصدين أبي؟ قالت: لا. ولكن ربى ورب أبيك اللَّه، فغضبَتْ ابنة فرعون من الماشطة وهددتها بإخبار أبيها بذلك، ولكن الماشطة لم تخف، فأسرعت البنت لتخبر أباها بأن هناك في القصر من يكفر به، فلما سمع فرعون ذلك؛ اشتعل غضبه، وأعلن أنه سينتقم منها ومن أولادها، فدعاها، وقال لها: أَوَلكِ ربٌّ غيري؟! قالت: نعم، ربي وربك اللَّه. وهنا جُنَّ جنونه، فأمر بإحضار وعاء ضخم من نحاس مليء بالزيت وإيقاد النار فيه، وإلقائها هي وأولادها فيه، فما كان من المرأة إلاَّ أن قالت لفرعون: إن لي إليك حاجة، فقال لها: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي فى ثوب واحد وتدفننا، فقال: ذلك علينا. ثم أمر بإلقاء أولادها واحدا تِلْوَ الآخر، والأم ترى ما يحدث لفلذات كبدها، وهى صابرة محتسبة، فالأولاد يصرخون أمامها، ثم يموتون حرقا، وهي لا تستطيع أن تفعل لهم شيئا، حتى أنطق اللَّه عز وجل آخر أولادها – وهو طفل رضيع – إذ قال لها: يا أماه، اصبري، إنك على الحق.
فاقتحمتْ المرأة مع أولادها الزيت المغلي، وهي تدعو اللَّه أن يتقبل منها إسلامها، فضَربتْ بذلك مثالا طيبا للمرأة المسلمة التى تعرف اللَّه حق معرفته، وتتمسك بدينها، وتصبر فى سبيله، وتمُتَحن بالإرهاب، فلا تخاف، وتبتلى بالعذاب فلا تهن أو تلين، وماتت ماشطة ابنة فرعون وأبناؤها شهداء في سبيل الله، بعدما ضربوا أروع مثال في التضحية والصبر والفداء.
(انتهت القصة، أما نحن، أبناء الإسلام اليوم، فدعونا ننشغل بالقتال الطائفي بما فيه من غباء وجهل وتخلف واستعراض لقوة لا تظهر إلا على بعضنا بعضا).