في فبراير/ شباط من العام 2006، طرحت فكرة متواضعة من خلال هذه المساحة، اقترحت من خلالها تشكيل هيئة وطنية للتصدي للممارسات الطائفية ومكافحتها، إذ تتصدرها مجموعة من الشخصيات والوجوه البحرينية المشهود لها بالعمل المخلص والجاد لخدمة البلد وأهل البلد…
وحينها، وجد بعض القراء، وبعض المعارف والأحبة، فرصة للتندر، فمن قائل: إنك تؤذن في مالطا! ومن متشنج إلى درجة الغضب الشديد بسبب قناعته وإيمانه بأن الطائفية في بلادنا لن تكون لها «نهاية» بسبب رغبة رؤوس كبيرة في الدولة، ومجموعة من المتنفذين، وعصابة من الطائفيين من يملكون السلطة والمال والقانون لتحقيق مكتسبات فئوية… وآخر كان تعليقه متشائما إلى أبعد الحدود حين قال: «هذا يعني أن كل من يعيش في البلد سيتعرض للمساءلة لأننا جميعا طائفيون»، لكن أفضل التعليقات تلك التي طالب فيها أحدهم بتشكيل هيئة «لتشجيع» الطائفية وليس لمكافحتها!
والمعنى في قلب الشاعر…!
كتبت سابقا، أن من الأماني الكبيرة، والطموحات الخالصة، أن تتشكل لدينا في البلاد – وعلى المستويين الشعبي والحكومي – هيئة وطنية تمتلك القوة للتصدي لكل أشكال الطائفية وممارساتها في البلاد.
كانت تلك الفكرة، وغيرها الكثير، من الأفكار التي راودت محدثكم العبد لله على مدى سنوات، لكن مجرد طرح الفكرة على بعض الناس كان يقود إلى حال من الترهيب اللامحدود: «أنت بذلك تريد أن تقول إن البلد غارقة في الطائفية أليس كذلك؟ قف عند حدك» أو من قائل: «الكل في بلادنا يحارب الطائفية… الكل جند مجندة ضد الطائفية، فلم هذه الهيئة وما أدراك ما الهيئات؟ ثم مجرد الفكرة تعني أنك… طائفي».
على أي حال، لا يمكننا أن ننكر حقائق نعايشها بشكل يومي… الطائفية التي لا تريد الحكومة أن تضربها (بيد من حديد)، ولا يريد المواطنون مواجهتها بمواقف حقيقية نابعة من المسئولية الوطنية، ولا يريد أحد كائن من يكون، أن يعترف بها لكي يتخذ منها موقفا يرضاه ضميره… بل على العكس من ذلك، هناك من يتبنى النفس الطائفي البغيض وبصورة تخلو من الإحساس بالمسئولية…
ليس مهما أن يكون كاتبا أو كاتبة صحافية معروفة ومرموقة لكي يتفق الناس على أنه/ أنها من عباقرة زمانهم، وأنهم يقولون القول الفصل حين يتحدثون عن قضية لها صبغة طائفية بحتة! وليس صحيحا أن يخرج علينا نائب أطلق المجال للحيته، ولأنه تعلم بعض أصول تجويد قراءة القرآن الكريم، وصلى بالناس جماعة أو جمعة وخطب فيهم خطبتين، فإنه بذلك ولي الله الصالح الذي تنزه عن الأخطاء وعصم نفسه عن الوقوع في الزلل! وأنه حقيقة، ذلك الإنسان الذي يمتلك صكوكا خاصة ليدخل هذا الجنة ويرمي بالآخر على وجهه في النار وبئس المصير!
لقد مرت البلاد، عبر العقود الثلاثة الماضية بتحولات مهمة وخصوصا على صعيد العلاقة بين السلطة والشعب… بين القيادة والمواطنين، ومع ذلك، لاتزال المعضلة الطائفية قائمة… والغريب في الأمر أنها تتحرك تبعا للمصدر، فإن كان المحرك شيعيا فالطائفة كلها متهمة، وإن كان المحرك سنيا فإن الحكومة والطائفة السنية متهمة… وتقتلك الحيرة حين تجد رموزا ووجهاء وشخصيات دينية ومسئولين… يتورطون في الطائفية!
ختاما، أنا شخصيا، لست متفائلا أبدا بأن هناك توجها لضرب الطائفية بيد من حديد… وفي القادم من الأيام، سأحاول تقديم ما يعزز كلامي.