سعيد محمد سعيد

الرجال الذين تحتاج البلد إليهم

 

ها قد دخلت البلد في دوامة جديدة أشد تعقيدا! ووجه التعقيد الظاهر هو ذلك التغييب القسري للقنوات الحكومية والشعبية، التشريعية والقضائية، التنفيذية والإدارية، حتى أصبح الأمر الواضح بجلاء للناس، هو أن الحال المضطربة في البلاد، لن تنتهي على خير… وليتشاءم من يريد أن يتشاءم، وليتفاءل من يريد أن يتفاءل… هل البلد على حافة جرف سحيق مظلم لمستقبل أكثر إظلاما؟

لا، أبدا…

لكن ذلك لا يعني أبدا ألا يصبح ما نخاف منه حقيقة تتشبع رسوخا يوما بعد يوم، وتزداد حال المواجهة بين أطراف لا يمكن تحديدها من كثرتها وكثرة أجندتها… أولها وأشدها تلك المؤامرات الطائفية التي لا أدري – شخصيا – لماذا لا تبادر الدولة بتشديد قبضتها عليها وعلى أصحابها ورؤوسها أيا كانت مناصبهم، وأيا كانت مخططاتهم، وأيا كانت انتماءاتهم المذهبية! والأصعب من ذلك، أن المشكلة لم تعد مقتصرة على التحذير من مخاطر الطائفية، بل تعدت ذلك، إلى التحذير من صدام حقيقي مشهود بصورة يومية من تخريب وعنف وقتل، من جانب تلك الجماعات المختلطة التي حذرنا منها مرارا لأنها لا تريد بالبلد خيرا، ولا علاقة لها بحركة مطلبية مشروعة ولا يحزنون… قلنا مرارا إن ذلك الخليط من المخربين، يختلطون في خلطة بشعة، كل همها النيل من هذا البلد، ولكن بصورة أكثر صدقا… تريد تأليب الدولة ضد الشعب، والشعب ضد الدولة، ولأن التغييب القسري الذي أشرت اليه في البداية هو السائد، حتى مع وجود المجلس الوطني، فإن الدولة، وعلى رأسها عاهل البلاد وسمو رئيس الوزراء، قادرة اليوم على حماية البلد من كل المخربين… ولا نقصد بهم أصحاب الإطارات و «السلندرات»، معروفين أم مجهولين، الذين يخرجون إلى الشارع عبثا بلا مطلب، ولكن نقصد أيضا أصحاب النفوذ والمسئولين والخطباء والوعاظ والنواب والعاملين في جنح الظلام للإضرار بالبلد وبأهل البلد.

من هم الرجال الذين تحتاج البلد إليهم؟

في بلادنا، يبدو أن الرجال الذين نحتاج إليهم قد قضوا نحبهم! وماذا عن الباقين على قيد الحياة، أطال الله في عمرهم؟ لا أدري بصراحة، لكن أعلم جيدا أن في إمكان الكثير منهم أن تكون لهم كلمة فيما يجري من تهتك في المجتمع.

مناسبة هذا الكلام، هو استذكار المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالأمير الجمري، رحمه الله، في مثل هذه الظروف على لسان الكثيرين، ومنهم من ليسوا على خط الشيخ الجمري أصلا، لكنهم احترموا ولايزالون يحترمون منهجه…

تحضرني كلمة المفكر البحريني على محمد فخرو في مجلس تأبين الفقيد علي بن يوسف فخرو، التي أقيمت مساء يوم الثلثاء 8 أبريل/ نيسان الجاري، بحضور سمو رئيس الوزراء، فقد ساق في كلمته عبارة غاية في الروعة، أتمنى أن يفهمها من يريد أن يفهم، حين استخلص من سيرة المرحوم (بوشوقي) جوانب مضيئة أنقلها نصا: «فلم يعرف قط التفرقة بين الناس بسبب الدين أو المذهب أو العرق أو الأصل أو العائلة والمكانة أو الغنى والفقر… مجلسه كان مفتوحا لكل الناس، وقلبه كان محبا لكل الناس، وميزان عدله كان في خدمة كل الناس، ولذلك، وفي هذا الجو الذي يعيشه مجتمعنا… جو الصراعات الطائفية، كم كان سيكون وجوده بلسم توحيد وتقريب ودفع بلاء ومساعدة في تضميد الجروح… وعلى مستوى الأوطان كم كان توجعه لتخلف هذه الأمة… كم كان ملتزما بثوابت وحدتها ونهضتها وخروجها من المحن التي عاشتها وتعيشها… كم كان وطنيا غيورا محبا للبحرين… مثل هذا الإنسان لا يستحق دمعة تذرف، بل يستحق أن نعيش الكثير من صفاته ومحاسنه لتغنى الحياة، ولنملأها خيرا ومحبة وتراحما من دون منة كما كان المرحوم يفعل».

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *