احمد الصراف

الاتجاه الخاطئ الآخر

«يعتبر دواء الانسولين المصنوع في الدانمرك الاكثر استخداما في العالم لاعتدال ثمنه وقوة مفعوله»!
* * *
كتبنا قبل ايام مقال: «الاتجاه الخاطئ» وتعلق موضوعه بعملية القاء القبض على عدد من الاشخاص في الدانمرك بتهمة «التخطيط» لقتل احد رسامي الكاريكاتيرات المسيئة، وبينت فيه ردود الفعل العنيفة لمحاولة القتل هذه التي دفعت عشرات الصحف الاوروبية، وليس الدانمرك فقط، لاعادة نشر غالبية تلك الرسوم في تحد واضح لمحاولة الاغتيال، ولتأكيد مبادئ حرية القول والنشر التي تؤمن بها تلك الشعوب الاوروبية، وقلنا ان من السهل الدفاع عن صور نبي الاسلام بالطرق السلبية المتمثلة بقتل من يسيء لتلك الصورة، وان الصعوبة تكمن في نصرته بالفعل الايجابي المتمثل في رفع شأن المسلمين وتقوية اقتصادهم وتشجيعهم على البحث والاختراع ليعرف الجميع مدى قوة وتقدم ورقي اتباعه، وبالتالي يأتي الاحترام من تلقاء نفسه، فقتل المناوئين او ناقدي رموزنا الدينية العالية قد يمنعهم من التعبير علنا عن مشاعرهم، ولكن هذا لا يمكن ان يغير حقيقة ما بأنفسهم نحونا.
وفي الكويت، يبدو ان بعض اعضاء مجلس الامة في طريقهم للسير في الاتجاه الخاطئ نفسه الذي سبق ان كتبنا عنه، وذلك بالدعوة لاتباع الطرق السلبية في الرد على محاولات الاساءة لنبي الاسلام العظيم!! وهنا نعود ونقول ان قتل كل من يسيء لنا ليس حلا، وسحل من يشتمنا ليس مقبولا، وانهاء وجود من يسخر منا ليس مخرجا، فما نحن بحاجة اليه يختلف عن ذلك كثيرا، فهؤلاء لم يسخروا منا الا لضعفنا وهو، ان حالنا، علميا وثقافيا وصناعيا وغير ذلك، وبالتالي فان الاحترام لا يمكن ان يستعاد بالسيف والخنجر والرصاصة، بل بالتصرف الاخلاقي الحميد وبالتقدم الصناعي والتطور الزراعي، وهذه جميعها امور لا تطعم خبزا ولا تكسب صوتا انتخابيا للسياسيين الذين يسعون الى كسب عواطف الغوغاء ونيل اصوات الدهماء، وبالتالي نراهم يتجنبون السير في الصعب من الطرق ويفضلون، بدلا من ذلك، اثارة الغرائز واللعب على العواطف لتبقى الشعوب اسيرة البائس من طروحاتهم.
ان اللجنة البرلمانية الدائمة التي يطالب النائب وليد الطبطبائي بتشكيلها لنصرة نبي الاسلام سوف لن يتمخض عنها ما سيفيد الاسلام والمسلمين وأعز رموزهم. فهذا الرمز عاش عظيما لاكثر من 1400 عام وبقي وانتشر في العالم اجمع وكان للبحاثة والمستشرقين الغربيين، والدانمركيين بالذات، دور عظيم في ترسيخ الصورة والرسالة، فمايكل هارت وآن ماري شيميل وجوديث ميلر وكارين آرمسترونغ وتيودور نولكه غيرهم العشرات ممن لا تحضرني اسماؤهم، كان لهم الفضل الاكبر في ما نعرفه الآن عن ايام الاسلام الاولى ونبيه.
لا مصالح تجارية لدي مع الدانمرك ولا يعنيني كثيرا امر مقاطعة منتجاتهم او منتجات غيرهم، فسرعان ما سنكتشف خطأنا ونتراجع عنه، ولا اعتقد ان هذه هي الطريقة السليمة للرد على المسيئين لنا، وما نحن بحاجة اليه حقا، والذي سيكون اكثر فاعلية في الرد على المسيئين لنا هو في اتفاق المسلمين، او العرب او حتى الخليجيين، في اسوأ الاحوال، على انشاء مصنع عالمي لانتاج الانسولين مثلا، وهو الدواء الذي يحتاجه مئات الملايين من مرضى السكر في العالم، والذي يعني لهم الفرق بين الموت والحياة، ومن ثم بيعه بسعر التكلفة للمحتاجين له في العالم باسم نبي الاسلام!!
هل فكر هذا النائب في تقديم مثل هذا الاقتراح البناء لحكومته ونوابه، ومصارف المنطقة، والاسلامية منها بالذات، المتخمة بمئات مليارات الدولارات التي لا تعرف كيف تستغلها بطريقة يكون فيها عز الاسلام ورفعته؟ ام ان الهدم والقتل والتدمير وتأليب العالم علينا اكثر سهولة وانجع في دغدغة الرخيص من مشاعر النواب والناخبين؟

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

كيدوا كيدكم… أشباح ليس إلا!

 

ذات مرة، كتبت موضوعا بخصوص “الأبطال الجدد” في المجتمع البحريني، وهم مجموعة من عشاق إثارة الفتنة والمشكلات والحساسيات في المجتمع عبر تواصلهم الدائم واللامنقطع، والمتخفي تحت أسماء مستعارة، في عدد من المنتديات البحرينية… ذلك الموضوع جذب لي طالبا يدرس في تخصص الإعلام بإحدى الجامعات العربية، ليطلب مني التباحث معه بشأن بحث أكاديمي يعتزم إجراءه ليقيس مدى تأثير تلك المنتديات المثيرة للطائفية والروح العدائية بين الشعب البحريني.

ذلك الطالب البحريني، كان قد حدد مسبقا خطة البحث، بحيث يبدأ من جانب أجده “موفقا”، وهو محاولة تتبع نماذج من مساهمات الأعضاء ومضامينها، ودوافعها… وهنا المهم، في إطار قياس نفسي مستخدما بعض المقاييس في علم الاجتماع أو ما شابه ما يستخدمها الباحثون.

وبعيدا عن المقاييس العلمية وأدوات بحثها، يمكنني أن أختصر المسافة… فمن الواضح جدا، بعد أن قضيت وقتا مع الباحث في استعراض نماذج كثيرة ومتنوعة، أن هناك مئات العشرات من المرضى النفسانيين يجلسون ساعات طويلة في تنفيذ مخطط تدميري رهيب في البلد، يقوم على الفتنة الطائفية بالدرجة الأولى، انطلاقا من تأليب أبناء الطائفتين الكريمتين ضد بعضهم بعضا، تحت عناوين عريضة وكبيرة ومتكررة تكرارا لا يمكن أن يخرج عن فلك الفتنة، فالغالبية العظمى من المشاركات تبدأ بالتكفير، ثم تعرج صوب قضية شتم الصحابة والتحذير من وجود طائفة خطيرة للغاية تنوي تدمير البلد، وبعد ذلك يبدأ التكرار الآخر في تأليب المواقف من ناحية الانتماء والمواطنة، فيما تذهب مشاركات أخرى مضادة، إلى الترويج لإسقاطات سياسية مدوية، ولا تخلو هي الأخرى من الطرح الطائفي المضاد، وتصبح الأمور في غاية السوء ليعيش أولئك الأشباح أمدا طويلا في مناقشة خلافات تاريخية، من المفترض أن يكون قد عفا عليها الزمن، ويبدأ سيل من الاتهامات والشتائم والسب الوضيع، يصل إلى انتهاك الأعراض وتقاذف الاتهامات بعدم طهارة المولد، والعداوة للدين والوطن، والأشد من ذلك… الاستعداد لحرب شرسة لا هوادة فيها… من دون أن يعلموا أنهم ذاتهم لا يستطيعون الخروج للمواجهة أبعد من مفاتيح الكمبيوتر.

أعتقد أن الكثير من القراء الكرام، يتجولون في مواقع إلكترونية بحرينية، ولا يحتاجون مني أو من الباحث أدلة كافية على ضراوة الوضع بين أشباح الفتنة هؤلاء، الذين لو تمكن الباحث منهم من إثبات شيء مهم، فهو لن يتعدى حدود إثبات أنهم مجموعة من المجانين، صغار السن والعقل، تأكل في نفوسهم وقلوبهم الأمراض النفسية من أعلى رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم.

لكن لندع ذلك جانبا، ونتجه إلى جانب آخر في البحث سيعتمد هذه المرة على حقيقة تأثير تلك المنتديات الإلكترونية في مزاج أبناء الطائفتين من المواطنين، وهل ستكون تلك المنتديات مسببا واقعيا وحقيقيا لتدهور العلاقة وتأجيج الخلاف الطائفي والمذهبي في البلاد.

حتى ينجز الباحث بحثه، من خلال أدواته العلمية واستطلاعاته الميدانية القائمة على الاستبيان الدقيق، سنقر بأن هناك ظاهرة مقلقة فعلا، لكنها غير مؤثرة على أرض الواقع! وإن كان المتأثرون بها في المجتمع، هم أنفسهم الذين ينقلونها معهم لتعيش معهم في حياتهم اليومية، إلا أنهم أجبن من أن يعبروا عن آرائهم ومواقفهم (السرية) في الحياة العامة، بمعنى أن الصراع مع المرض النفسي المرير، يسير مع أولئك الأشباح، الذين نقول لهم (كيدوا كيدكم)، مجرى الدم في العروق… لأنهم مجموعة أبالسة.

لكن السؤال البسيط جدا هو: “هل تركت وزارة الإعلام الحبل على الغارب لإدارات المنتديات الطائفية؟ أم أن عيون الرقابة، عن كل عيب قريرة؟”.

احمد الصراف

من حقهم.. ولكن

1 – بعد عقود طويلة من الممانعة غير المبررة وافقت قطر اخيرا على انشاء اول كنيسة، وعلى الرغم من مقالات وتصريحات الترحيب بالقرار فان الاعتراض على اقامة المشروع كان شرسا منذ البداية، ولم يتساءل هؤلاء عن الحقوق المدنية لاكثر من مائة الف مسيحي يعيشون في قطر وحقهم في ممارسة شعائرهم بالكيفية التي تناسبهم، علما بان هذه الكنيسة، ببنائها وادارتها وديكورها الداخلي، قد تصلح لطائفة او اكثر، ولكنها حتما لن تصلح، او تكفي لتغطية احتياجات جميع الطوائف في قطر. ولكن مَنْ م.ن هؤلاء المعارضين اصلا، أو ممن لديه الوقت الكافي ضمن جدول يومه المزدحم بالهوامش، فكر يوما بحقوق الآخرين المدنية والدينية؟
والمضحك المبكي في الوقت نفسه، اننا عندما نهاجر او حتى نتواجد بطريق الصدفة في الخارج، والغرب بالذات، ونسأل عن اقرب مكان لممارسة شعائرنا، ولا نجده، فاننا غالبا ما نصب جام غضبنا ولعناتنا على حكوماتهم وندعو لحرق زرعهم وتشتيت شملهم وتيتيم اولادهم وترمل نسائهم، ثم نطالب فوق ذلك بتسخيرهم لمساعدتنا وارسال الغذاء والاسلحة والمواد والعدد والآلات الزراعية والصناعية لنا.. مجانا، ولا ادري كيف بامكانهم القيام بكل ذلك ان اصابتهم كل الكوارث التي طالبنا بانزالها عليهم!
سنجاري هؤلاء المتعصبين في القول انه من حقنا رفض بناء الكنائس في بلادنا.. ولكن الا يتطلب الامر منا في الوقت ذاته عدم مطالبة حكومات دول العالم الاخرى بتوفير الموافقة والارض والمبنى لمساجدنا ومراكزنا الدينية في بلادهم؟
2 – لم تسلم حكومة غربية من عنف تصريحات وفتاوى وآراء السيد يوسف القرضاوي، رجل الدين المصري المقيم في قطر، وذلك من خلال كتبه واحاديثه وبرامجه الدينية في تلفزيون الجزيرة ومقابلاته الصحفية. ولقد كان لفتاواه الاثر الاكبر في زيادة وتيرة وموجة العنف الطائفي والديني في العراق وفلسطين، خصوصا من نوعية العمليات البشرية الانتحارية. وكان له دور في تبرير الارهاب ولفه بغطاء ديني واضح. ولكن عندما اصيب السيد القرضاوي بالمرض، نصحه اطباؤه بتلقي العلاج في الولايات المتحدة او بريطانيا. ولكن لدوره الواضح في تبرير العنف والارهاب في العراق بالذات، وما ادت اليه آراؤه وفتاواه من زيادة عدد الاصابات في صفوف قوات التحالف، فقد رفضت اميركا، ومن بعدها بريطانيا، منحه تأشيرة لدخول اراضيها لتلقي العلاج.
وهنا ايضا سنساير الآخرين من متعصبين ومنغلقين ومن محبي سفك الدماء في ان من حق القرضاوي وغيره الافتاء بما يشاء! ولكننا نقول انه من المنطقي ايضا ان يرفض من صدرت الفتوى بحقهم وبررت قتلهم او سفك دماء جنودهم ان يدخل القرضاوي او غيره بلادهم وطلب العلاج على يد اطباء وممرضين سبق ان تسببت فتاواهم في قتل احبتهم في العراق وافغانستان وغيرهما! ولكن هل بامكان هؤلاء المعترضين التمييز بين هذا وذاك؟ ألا تذكرنا هذه القصص بطرفة الببغاء وحيوان معروف آخر كان معه على ظهر طائرة، وعندما أساءا التصرف المرة تلو الاخرى ولم تنفع معهما انذارات المضيفة امر الكابتن بفتح كوة ورميهما خارج الطائرة وهي في الجو، فصاح الحيوان باكيا بانه لا يملك جناحين كالببغاء، فقال له هذا: اذا كنت لا تعرف الطيران فلماذا تصرفت اذاً كالبغل؟!

أحمد الصراف