تحول الدول والأمم من الأمن إلى الخوف ومن الديموقراطية إلى القمع ومن الحرية إلى كتم الأنفاس ومن الرفاه إلى الجوع والفقر والقتل والتهجير، كما حدث في الماضي في مصر وإيران والعراق وسورية وليبيا وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وافريقيا وغيرها، كانت بدايته المشتركة وشرارته الأولى هي كسر «هيبة الدولة» وتشجيع الجميع على التجرؤ عليها.
وقد لخصت صورة نشرتها إحدى الصحف قبل ايام حقيقة ما حدث أمام المباحث الجنائية وقد كانت الصورة القبيحة تمثل مواطنا شابا يمسك بيده اليسرى، وبصورة مهينة، ملابس احد القيادات الامنية رفيعة المستوى، ويمسك بيده اليمنى عقاله استعدادا للضرب، وكانت الصورة تظهر كذلك انه كان يهدد بالصوت العالي تلك القيادة الكويتية الخلوقة بدلا من العكس، كما يحدث في دول العالم الأخرى المتقدمة منها والمتخلفة.
إن كسر «هيبة الدولة» ممثلة بالنظام والحكومة لم يتم بين ليلة وضحاها كما لا ينسب الفعل فيه لمجهول، بل لجناة و«مذنبين» معروفين، لا يعلم البعض منهم للأسف الشديد تبعات ما يفعلونه، اما لكون الخلافات والمناكفات الشخصية قد أعمت بصائرهم وأبصارهم فأصبحوا من دعاة سياسة الأرض المحروقة ونهج «علي وعلى أعدائي يا رب»، وإما لكونهم لم يقرأوا ولم يتعظوا بتاريخ دول المنطقة.
إن كسر «هيبة الدولة» يتم عبر تجاوز الخطوط الحمراء في خلافات أبناء الأسرة الحاكمة وتخلي بعض قوى المعارضة التقليدية عن الحكمة في القول والفعل في تبايناتها مع الحكومة، والتي لا تستأهل منهم كل ما يقولونه ويفعلونه، اضافة الى ثقافة خاطئة متوارثة في مجلس الامة جعلت بعض النواب يتصرفون بطريقة غير مسؤولة على الاطلاق في سبيل دغدغة مشاعر الناخبين، وحقيقة وجود تنافس اعلامي جعل كل شيء مباحا في سبيل زيادة ارقام التوزيع حتى لو كان ذلك على حساب مصالح البلاد العليا وبقائها.
إن الكويت، للعلم، ليست محصنة ضد الفوضى والخراب وتغيير الأحوال من جنة الأمن والرفاه التي نعيشها الى نار الخلاف والدمار كالتي نشهدها على حدودنا الشمالية، وما لم نلحظ تغييرا جذريا وحقيقيا لدى الاطراف السابقة فلن نستبعد ان يقوم الشباب الصغار الذين هم دائما وابدا الدماء الفائرة والحطب الذي تحرق من خلاله الاوطان بإشعال النيران كي يتدفأ على نار ذلك الحريق المدمر من سيسعد به في البدء وسيحترق به في نهاية المطاف.
أخيرا، ان القوى الاقليمية ترقب وتلحظ وتتابع الأحداث ولا شك في ان افتراق ابناء اي دولة هو المنفذ الذي يسمح بتدخل الآخرين في شؤونها كما حدث مرارا وتكرارا، مستغلين غضب هذا الطرف على ذاك، لذا فالحذار الحذار من ان يصبح بلدنا ساحة «اخرى» لصراع القوى القائم في المنطقة، فقد اقتربت النار عبر الاحداث الاخيرة كثيرا من بحيرات النفط وما لم نستمع لصوت العقل والحكمة وننبذ اصوات التأزيم والفتنة فلن يسلم بلدنا، وقد أعذر من أنذر!