كل شيء في البلد، يتحمله علماء الدين؟!
كل الأخطاء، وكل الإخفاقات، وكل الأوضاع السيئة، بل وكل أزمة تلم بالبلد سببها العلماء… من الطائفتين طبعا!
هكذا هي الحقيقة الواضحة اليوم، في عقول الكثير من أبناء البلد… أساسها أن علماء الدين هم أساس المشكل، وهم سبب الأزمات الطاحنة وهم الراقدون في سلام في بيوتهم!
لن تجد نقاشا بشأن أوضاع البلد إلا وينبري البعض ليرمي كل التهمة على علماء الدين:
– استمرار الأزمة والاحتقان في البلد سببه علماء الدين.
– سوء الأوضاع المعيشية سببه سكوت علماء الدين.
– عدم وجود رؤية توافقية بين مؤسسة الحكم وبين الشعب يعود إلى «لامبالاة» علماء الدين.
– الحريق الطائفي المستعر، تسبب فيه علماء الدين.
– التردي الأخلاقي والتفكك الاجتماعي أيضا سببه علماء الدين.
– أزمة الاختناق المروري، ومنها أيضا مأساة سواق الشاحنات على جسر الملك فهد تعود إلى ضيق أفق علماء الدين.
– استمرار أشكال الفساد في البلد هو بسبب «طبطبة» علماء الدين على المفسدين.
– سوء الخدمات في بعض الأجهزة، ووجود الآلاف من العاطلين وتضخم قوائم الأسر المحتاجة هي مسئولية علماء الدين.
ترى، أين بقية فئات المجتمع؟ أليس للمسئولين الحكوميين من وزراء ورؤوس كبيرة ذات نفوذ وكلمة دور في قول كلمة حق؟ ألا يجب أن يكون للمثقفين والكتّاب والصحافيين مشاركة حقيقية في تفعيل دورهم الخلاّق في المجتمع؟
لماذا علماء الدين وحدهم هم المسئولون؟
صحيح أننا لا ننكر أن للعلماء مكانة كبيرة في أي مجتمع إسلامي، وأن تحركهم وخطبهم وبياناتهم وعلاقاتهم مع القيادة يمكن أن تثمر عن الكثير لو قدر لهذا التحرك أن يبنى على حمل الأمانة وقول كلمة الحق، لكن حصر المسئولية كلها في فئة العلماء، ونسيان الفئات الأخرى، لن يغيِّر في مجرى الحوادث شيئا.
هناك الكثير من الشخصيات البحرينية والوجهاء والتجار يتمتعون بمكانة محترمة لدى القيادة السياسية، ويمكنهم الالتقاء بالشيوخ لإيصال صورة حقيقية عن أوضاع المواطنين، لكن قلة منهم يقوم بهذا الدور، ولعل ذلك نادرا ما يكون؟ فيما يترك الحبل على الغارب لبضعة أشخاص من المنافقين والمتكسبين والباحثين عن تحقيق المصالح الشخصية والأعطيات والهبات ليقوموا بالدور الذي لا يتعدى حدود تحقيق مصلحة له ولأهل بيته وجماعته، فيما لن تجد مكانا لهموم المواطنين وأوضاعهم في قلب ذلك الشخص.
هل هذا الكلام ينطبق على الكل؟ لا قطعا… فهناك من العلماء ومن الرموز الاجتماعية والدينية، وإن كانوا قلة، لكنهم لا يذخرون جهدا في إيصال قضايا الناس إلى القيادة، لكن هذا الأمر يتطلب الاستمرارية والمشاركة الأقوى، فليس مجلس الشيوخ مكانا للتباهي بالبشوت والغتر الفاخرة والعطور الثمينة، أو بالسيارات الفارهة الفخمة المتوقفة في الخارج… هو مكان يظهر فيه أصحاب الكلمة الصادقة والحاملون لهموم الناس لكي ينقلوا هذه الهموم إلى القيادة، كما هو مكان أيضا لأهل النفاق والرياء الذين يرتدون وطنية فذة شعارها: «املأ ركابي فضة أو ذهبا»… وللأسف، هم كثر.
شخصيا، أعلم جيدا أن مقولة «الأبواب المفتوحة» بين القيادة والشعب لا يمكن أن تترجم إلى خطوات عملية، إلا من خلال حركة أمينة من جانب جميع فئات المجتمع ذات المكانة لدى القيادة للتباحث في شئون البلد، وليست هي مسئولية العلماء فقط حتى يتلقون الاتهامات، وإن كان بعضهم مقصرا، وليتنا نشهد في القريب، من يحمل هموم البلد إلى القيادة، كلما سنحت له الفرصة لذلك.