نقلت قبل مدة، صورة لوضع الشباب والناشئة في كثير من مناطق البلاد، وخصوصا في قرى المحافظة الشمالية، إذ يعز على الكثيرين أن يجدوا مرفقا شبابيا ثقافيا أو رياضيا أو اجتماعيا يلم شتاتهم ويستقطبهم ليمنحهم ما ينفعهم…
هؤلاء، الذين يحتاجون إلى رعاية الدولة، ليسوا سوى أناس لهم كل الحق في أن تكون لهم مرافقهم كونهم شبابا وناشئة وأطفالا أيضا، وفي المقابل، نقلت صورة أولئك الشباب الضائع، وأسميتهم «الهاربون من الحياة»، وكنت قد وعدت بمواصلة الموضوع، وهذا هو لقاؤنا الثاني المتعلق بقضية الشباب في القرى، وتعالوا وانظروا معي إلى هذه الصورة: في غاية الانسجام كان ذلك الشاب الذي جلس القرفصاء على كرسي طويل في إحدى الحدائق الصغيرة الحديثة الجميلة بإحدى القرى… متأملا إلى أبعد درجات ومعاني التأمل… هادئا لا يتحرك من شدة هدوئه… كأنه يتذوق تلك اللحظات بكل ما فيها من سعادة ورونق وألق ومذاق لا مثيل له… من حسن الحظ لم يكن هناك إلا قلة من الأطفال الذين راح بعضهم يلعب في حوض الرمل، فيما كان الآخر يتمايل مسرورا على الأرجوحة… أما هو فقد كان في تأمله الذي لم يتوقف… مضى الوقت، ولم تنتهِ لحظات التأمل… لكن أتدرون لماذا كل هذا؟
لأن الأخ، قد انتهى للتو من أخذ حقنة من المخدرات! أو ربما ابتلع قرصا من الأقراص التي تنتشر بين الشباب هذه الأيام، وأكمل وقته جالسا كالصنم، اللهم إلا من بعض أنفاس تروح وتجيء!
كيف بالله عليكم تكونت هذه الجرأة واللامبالاة لدى هؤلاء لكي يتعاطوا المخدرات في الحدائق ويشكلوا خطرا حتى على الأطفال؟ لابد من أن يكون هؤلاء تحت أعين المراقبة والصرامة من جانب الجيران، لأنهم يمثلون خطرا على الجميع… وإذا كان بعض الناس في بعض القرى قد عملوا منذ سنين على رفض دخول الدوريات الأمنية مناطقهم (وهذا حصل بالتأكيد في بعض المناطق)، فعليهم الآن أن يتعاملوا مع مروجي ومدمني المخدرات الذين يسرحون ويمرحون بكل حرية وطمأنينة.
هنا، تجد سيارة متوقفة خلف بيتك وفيها مجموعة من ثلاثة إلى أربعة من الشباب، وكل واحد منهم يحقن الآخر… هناك، بالقرب من منطقة الزرايع، وكر للحشاشة… وفي زاوية من المقبرة، وكر آخر!
في البحرين، وطبقا لما يقوله العارفون، فإن الفئة العمرية بين 15 و30 سنة هي الأكثر عرضة للإدمان ولديها استعداد عال للوقوع في الإدمان، ولهذا، يصبح دور الأسرة والمدرسة والمجتمع أيضا مهما في الاكتشاف المبكر حتى لا نخسر المزيد… ففي النصف الأول من العام 2007 توفى 12 شخصا، وفي العام الذي سبقه، أي في العام 2006، فإن عدد المتوفين بلغ 35 شخصا من بينهم 19 امرأة، بسبب جرعة مخدرات زائدة.
وسواء كانت الجرعة زائدة أم قاصرة، المشكلة ليست هنا! المشكلة تكمن في أن ظاهرة تعاطي المخدرات، تحصل على «الدلع» من هنا وهناك، بأنها لا تشكل ظاهرة، ولا تقلق المجتمع ولا… ولا… وهي تزداد يوما بعد يوم لتستقطب الهاربين من الحياة…
متى نحذر؟… الله أعلم!