سعيد محمد سعيد

«التخريب»… المسمار حين ينغرس في العين!

 

كان صيف العام 1994 صيفا خطيرا! بل كان من أشد القيظ تأثيرا في التحولات التي ستشهدها البلاد فيما بعد، مع الدعوة التي قادها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عبدالأمير الجمري لتوقيع العريضة الشعبية التي كانت امتدادا للعريضة النخبوية في العام 1992، وما تلاها من حوادث شديدة وموجعة تسمى الآن بـ «حوادث منتصف التسعينيات».

لقد شكلت العريضة النخبوية منطلقا مهما للمطالبة بعودة الحياة البرلمانية، تفرعت منها مطالب أخرى مهمة كترسيخ العدالة الاجتماعية وتحسين الأحوال المعيشية وتوظيف العاطلين والسماح بعودة المبعدين ومكافحة الفساد المالي والإداري وتعزيز الممارسة الديمقراطية واطلاق الحريات العامة وأولها حرية التعبير والرأي… وهذه كلها مطالب مشروعة لم يغفلها المشروع الإصلاحي فيما بعد، فشهدت البلاد مع بداية العهد الإصلاحي لعاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة تأسيسا لقاعدة التحول نحو الشراكة السياسية في صنع القرار، من خلال إعادة الحياة النيابية والبدء في خطوات الإصلاح، نجح بعضها وتعثر بعضها الآخر، لكن بقيت خيارات وقنوات التصحيح مفتوحة، وهي باقية حتى اليوم إن أحسنت مؤسسة الحكم والسلطة التشريعية في تحقيق التوافق فيما بينها.

لكن عودة إلى فترة حوادث منتصف التسعينيات، فإن صورة المواجهات العنيفة هي الصورة التي كانت ولاتزال ماثلة في الأذهان، وتغير الوضع بعد المشروع الإصلاحي، ودفعت بعض الإخفاقات إلى عودة صور متعددة من الاحتقان والشدة، وبعيدا عن تفاصيل كثيرة، تعود اليوم جزئية محدودة من حوادث منتصف التسعينيات في صورة أعمال عنف وتخريب وحرق، محدودة لكنها مؤثرة بشكل واضح في استقرار البلد.

ومهما يكن من أمر، فإن الوضع اليوم يختلف كثيرا عن حقبة «أمن الدولة» المقبورة!

آنذاك، لم تكن إدانة أعمال التخريب المنافية للقانون بقوة إدانة اليوم من مختلف الاتجاهات والأطياف… وكانت القوى السياسية تتحذر كثيرا من الإدانة! أما اليوم، فالإدانة معلنة وواضحة، لكن ثمة نقطة مهمة، أود إثارتها هنا بالنسبة إلى أعمال العنف والتخريب التي تشهدها بعض القرى اليوم، تنطوي تحت هذا السؤال: مَنْ الذي يقوم بأعمال التخريب والحرق والدفع في اتجاه تقويض الأمن والاستقرار الاجتماعي؟

من اللازم التنويه إلى أن استخدام كلمة «إدانة» وتخريب وحرق، تضع قائلها في أحسن الحالات في خانة الخيانة والموالاة للسلطة والوقوف في وجه الشعب ومطالب الشعب والتسبب في إيلام الشعب؟ لكن أعمال الحرق والتخريب اليوم، هي مسمار ينغرس في العين!… كيف؟

بودي أن يجيب أحد على هذا السؤال، لكن بعد النظر في سؤال آخر بتعمن، وهو: هل يستطيع أحد أن يحدد بالضبط، مَنْ هم أولئك الملثمون الذين يقومون بأعمال العنف والتخريب؟ وهل يعلم من يعتقد أنه «يتحرك في هذا الاتجاه العنيف والمرفوض ليواصل المطالب المشروعة»، أنه يقدم فرصة ذهبية لجماعات أخرى مجهولة ترى من مصلحتها تقويض المشروع الإصلاحي واستمرار حال الفوضى والاستفادة من جو العنف لتحقيق مكاسبها هي؟!

لم يكن لقاء وزير الداخلية مع أهالي المحافظة الشمالية هو الأول ولن يكون الأخير، لكنه الأبرز في إدانة العنف والتخريب، والتحذير من التداخل المخيف بين مجموعات العنف المعرفة وغير المعرفة!

إن الممارسين لأعمال العنف والمدافعين عن هذا الخط والداعين إليه، يقعون في خطأ استراتيجي رهيب، لأنهم يفتحون الباب على مصراعيه لتشاركهم بخفاء عناصر ومجموعات مجهولة لا صلة لها بالمطالب المشروعة، فيختلطون مع بعضهم بعضا بلا مقياس للفرز! فيحقق المجهولون جزءا من مآربهم، ويوجه الآخرون ضربة قاسية لدعاة الإصلاح والنشاط المطلبي السلمي، ولعل هذا ما بدا واضحا من خلال بيان الإدانة الذي أصدرته جمعية «الوفاق الوطني الإسلامية» وحذرت فيه من جهات «مشبوهة ومغرضة، وقد تكون من تبعات الخلايا السرية، تريد للمشروع الإصلاحي الفشل وجر الشارع للمواجهات العنيفة على حساب الحوار الوطني والحراك للقوى الوطنية الشريفة داخل وخارج البرلمان»، ولم تستبعد وجود احتمالات ضئيلة أن يكون وراء هذه الحوادث أشخاص باجتهادات مختلفة غير سوية.

السؤال المحير جدا لمن يواصلون أعمال العنف والتخريب تحت عنوان «المطالب»: مع مَنْ أنتم؟ وهنا تصبح الإجابة صعبة والفرز أصعب! لكن الأسهل والأوضح، هو أن استمرار هذه الأعمال المنافية للقانون والمدانة قطعا في القرى المستهدفة، يقدم على طبق من ذهب فرصة لكل مشبوه ومغرض لأن يبارك ويتمنى أن يستمر هذا الوضع المقلق والمدمر للوطن… فهل هناك مجال للتفكير بدقة، وقطع الطريق أمام أعداء الوطن؟

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *