معركة أصحاب الدواوين ليست مع الحكومة، بل مع أصحاب الشاليهات والقسائم الصناعية. الحكومة ما هي إلا «الواد برعي» صبي المعلّم، الذي ينتظر صرخة معلّمه: «مفتاح عشرة يا واد يا برعي»، فيهرول الواد برعي ليجلب «مفتاح عشرة»… هذه مهمته، لا أكثر.
بالعقل كده، على رأي المصريين، هل يستطيع شخص أن يبني أو يزرع أو يحفر أمام منزل شخص آخر؟ الجواب هو «لا» كبيرة. لماذا؟ لأن المساحة الواقعة أمام المنزل هي لصاحب المنزل، بالعقل كده… بصورة أخرى، جرب أن تجلس أمام منزل أحدهم، في «الارتداد» كما يسمونه، وهو المساحة ما بين المنزل والشارع، وستجد بأن صاحب المنزل أتاك ليستفسر منك عن سبب جلوسك في «حرمة منزله». جيرانه لا يحق لهم التدخل. فقط سيقومون بإبلاغه عن جلوس رجل غريب أمام منزله. صح؟ وبصورة ثالثة، هل يستطيع «الواد برعي» أو الحكومة بناء مجسم، مثلا، أمام منزل أحد؟ بالطبع لا، لأن هذه المساحة، بالعرف والعقل، ملك لصاحب المنزل.
طيب، دعونا ننظر بالعين الأخرى إلى هنالك، إلى البحر، وتحديدا إلى الشاطئ الواقع ما بين منطقتي المسيلة والجليعة… في هذه المنطقة، قام بعض ملاّك الأراضي بالاستحواذ على أضعاف مساحاتهم المصرح لهم بها. طبعا نحن هنا نتحدث عن شاطئ البحر، أي عن قيمة المتر الواحد التي تفوق قيمة منزل بأكمله، وبديوانيته أيضا. هذا بالإضافة إلى أن البحر ملك للجميع، للدولة وللمواطنين وللمقيمين وغيرهم. لكن «الواد برعي» سيضطر لتغيير حفاظاته خمس مرات قبل أن يتجرأ على التفكير، التفكير فقط، بسحب الأراضي تلك من مغتصبيها الأقوياء.
جزء من المحتجين والمتباكين على هيبة الدولة وأملاكها في موضوع الدواوين، هم أنفسهم أصحاب تلك الأراضي التي أخذت بوضع اليد ما بين المسيلة والجليعة. وهم أصحاب الصوت العالي. وأتذكر اقتراحا بقانون (إن لم أكن مخطئا) تقدم به الرئيس أحمد السعدون لسحب الشواطئ تلك من مغتصبيها. لكن الموضوع تبخر في الهواء مع زحمة الأيام. وباعتقادي، يجب على النواب المعارضين لإزالة الدواوين طلب مناقشة التعديات على المساحات الواقعة ما بين المسيلة والجليعة، على مبدأ «سيب وأنا أسيب». لأن الحكومة ليست إلا «الواد برعي»… صدقوني إذا أسكتّم المعلم فسيسكت الصبي.
صحيح أن بعض المطالبين بإزالة الدواوين، لا يمتلكون شاليها ولا قسيمة صناعية ولا منزلا على البحر، لكن هؤلاء بالتأكيد سيستفيدون من إزالة التعديات على أملاك الدولة في هذه الشواطئ، في حين أنهم لن يستفيدوا، بأي شيء، من إزالة الدواوين من أمام منازل أصحابها… بالعقل كده.
نكتة أطلقها أحد المتحمسين لإزالة الدواوين عندما قال: «نزيل الدواوين الآن، ومن ثم سنطالب بإزالة التعديات البحرية»! فقلت وأنا أغالب دموع الضحك: لماذا لا تكون الإزالات في وقت واحد، الشاليهات والقسائم الصناعية والدواوين؟ ولو تم ذلك، فسأرفع يافطة: «الريوق عليّ».
***
معالي وزير الداخلية، وصلتني معلومات مرعبة عن اثنين من «البدون» مسجونين في سجن الإبعاد. أحدهما منذ تسع سنوات والثاني منذ خمس سنوات، دون أن يعرضا على المحكمة. فهل تحول سجن الإبعاد إلى «غوانتانامو» آخر؟ وهل هذا هو خيارنا من الثقافة الغربية عندما تركنا كل شيء جميل وانتقينا «غوانتانامو» كقدوة تحتذى؟ أي بشر نحن، وأي مشاعر نحملها في صدورنا تلك التي سمحت لنا بسجن والد سبعة أطفال لسنوات وسنوات دون قضية؟ نتمنى التحرك لإنقاذ الإنسانية قبل أي شيء آخر… معالي الوزير.