كلهم مروا من هنا واختفوا، تبددوا، تلاشوا… القليل منهم لا يزال باقيا، قليل جدا، أنت أحد «القليل».
أحمد الربعي، دعني أنقل لك ما حدث في غيابك: رسائل التعازي التي تزاحمت في هواتفنا لم تترك لنا فرصة الرد عليها لكثرتها. كانت كثيرة رسائل تعازيك، أكثر مما تظن… أبناء وبنات الصحافة يبادرون بعضهم البعض: «عظم الله أجرك». سألت أحدهم: تعرفه؟ فأجاب: عز المعرفة، بل وأحبه، صحيح أنني لم ألقه وجها لوجه، لكنني أعرفه وأحبه… ليست الصحافة وحدها من رثاك، الدواوين التي لطالما تحدثت عنك… كذلك. متابعة قراءة كنت وأحمد
اليوم: 8 مارس، 2008
لنصبح أحسن منهم
كل مرة أعتقد فيها أنني أصبحت أقرب لإنسانيتي وأكثر تسامحاً ومحبة للآخر، اكتشف بعدها بلحظات مدى بعدي عن هذا الهدف، وحاجتي لأن أتعلم أكثر!
يقول جون (نقلا بتصرف عن الإنترنت) عندما كنت في سنتي الجامعية الثانية أعطانا الأستاذ المحاضر امتحاناً فجائياً احتوى على أسئلة عامة.
استعرضت ورقة الأسئلة فوجدت انها سهلة في غالبيتها، ولكن السؤال الأخير كان غريباً، لا بل ومضحكاً، فقد تعلق بالاسم الأول للسيدة التي تقوم بتنظيف المدرسة بعد خروجنا منها في نهاية اليوم!
لم أعر السؤال أهمية كبيرة، فقد سبق أن شاهدت تلك السيدة مرات عدة وهي تقوم بعملها. كانت طويلة ذات شعر أسود، وربما في الخمسين من عمرها، ولكني لم أكترث قط لمعرفة اسمها، وبالتالي تركت السؤال الأخير دون إجابة، قبل الخروج من القاعة سأل أحد الطلبة الأستاذ المحاضر عن مدى همية الإجابة عن ذلك السؤال الغريب فأجابه: انه حيوي وعلامته ستكون مؤثرة، وأهميته تنبع من أننا في حياتنا نقابل الكثير من البشر، ولجميع هؤلاء أهميتهم، ولكن لا نعير أيا منهم ما يستحقه من اهتمام أو احترام حتى ولو كان من خلال ابتسامة أو هزة رأس، أو حتى تحية «هللو»!
وختم «جون» قصته بالقول انه لم يأسف كثيراً لعدم نيله العلامة الكاملة التي كانت ستؤثر في معدله العام وتجلب له المنحة الدراسية المجانية، لأنه تعلم في ذلك اليوم درساً في الحياة والإنسانية لن ينساه أبداً!
أكتب هذه القصة القصيرة لأقول إن زوجتي وأنا، ومنذ أكثر من 30 عاماً، نستعين بمربية أو أكثر في المنزل. وكان غالبية من عملوا لدينا من الفلبينيين، حيث كان هؤلاء، من واقع تجربتنا الطويلة، أكثر أمانة في عملهم، وأكثر حرصاً في قضايا النظافة. كما أن سهولة التواصل معهم لغوياً، بسبب نظامهم التعليمي المميز نسبياً، رجحت كفتهم على غيرهم.
ولكن على الرغم من طول عملهم معنا، فإن أحداً منا لم يحاول يوماً أن يهتم، طوال هذه السنوات بتعلم شيء عن حياتهم أو ثقافتهم، أو حتى بضع كلمات من لغتهم الـ «تغالوغ»!! وقد شعرت بما يشبه الصدمة عندما اكتشفت ان شكراً تقال في لغتهم «سلامات»! فما أجمل هذه الكلمة وما أسهل حفظها، وما أغلظ قلبنا لعدم محاولتنا حتى معرفتها، وهذه خطيئة في حق هؤلاء!
دفعني هذا الجهل لتعلم بضع جمل أخرى شائعة الاستخدام كصباح الخير مثلاً، وكان لاستخدامي لها في البيت والنادي وأماكن أخرى الوقع الجميل على جميع من سمعها منهم، وكنت أرى ذلك من الابتسامات وعلامات الدهشة المرتسمة على وجوههم، وامتنانهم لقيامي بتحيتهم بلغتهم المحببة على قلوبهم.
للعلم: «ماغندانغ أوماغا» تعني صباح الخير. ومساء الخير تقال «ماغندان غابي»، وبعد ظهر سعيد تقال «ماغندانغ هابون» وكيف حالك تقال «كوموستاكا»، بالإضافة طبعاً إلى «سلامات» التي تعني شكراً.
ابدأ من اليوم في تعلم شيء عن حياة من يعملون معك أو لديك من هؤلاء، فلهم حق عليك، إنسانياً وثقافياً، ولنصبح ولو لمرة واحدة.. أحسن منهم!
أحمد الصراف