الكويت بلد المعجزات. توقع فيها غير المتوقع… قبل أيام فوجئنا بمحامٍ يطل علينا من شباك إحدى القنوات الفضائية ليستدر عطفنا ويستجدي دموعنا، عندما تحدث عن الوطن والوطنية واستعداده لتحمل تكاليفها وتوصيلها للمطار مجانا. فتحدث كاسر الخواطر في ذلك المساء العاطر عن والدته (أطال الله عمرها) التي دخلت عليه في غرفته وهو يرتب أوراق حلقة تلفزيونية سيتطرق فيها لتأبين المجرم النافق عماد مغنية، وكيف أنها، وبمشاعر الأمومة، حاولت ثنيه عن الحديث في هذا الشأن خوفا عليه من القتل والسحل: «يا وليدي، عشان خاطري لا تدخل نفسك في هالأمور»، فرد عليها «الوطني» الأمّور المقدام الفرفور: «هذي الكويت يا يمّة، هذي ديرتي اللي أنا مستعد أفديها بدمّي، لازم أوضح للناس حقيقة المؤبنين، وحجم خطيئتهم بحق الكويت، هذولا خانوا الكويت يا يمّة»… حقيقة، لو كنت أنا مكان مخرج الحلقة لطلبت من المذيع – بعدما أنهى «وصلته» تلك – الغناء واقفا: وطني الكويت سلمت للمجد، وعلى جبينك طالع السعد. متابعة قراءة «ليتك طعت أمك»
اليوم: 6 مارس، 2008
الخميس الأول من كل شهر
نحن اليوم في الخميس الأول من شهر مارس، وما لا يعلمه أبناء الجيل الجديد ان خلال الثلاثين عاما الممتدة من أوائل الأربعينيات حتى أواخر الستينيات كان الخميس الأول من كل شهر هو الموعد الذي يتوحد فيه العرب قاطبة من الخليج حتى المحيط لسماع حفل أم كلثوم الذي يمتد من الساعة العاشرة حتى الثانية عشرة مساء، وقد قيل كرد فعل على «نكسة 1967» ان أحد أسبابها هو حفلات أم كلثوم التي ادعي انها «تسطل» الناس مما تسبب في هزيمتهم! والحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك حيث لم يمنع الاستماع والاستمتاع بالفن الراقي، كالذي تقدمه «ثومة».
مع بداية الأربعينيات تعاملت الآنسة أم كلثوم المعروفة بذكائها الشديد وحبها للتغيير مع شاعر الشعب بيرم التونسي والملحن الأزهري الشيخ زكريا أحمد اللذين ابتدعا نظام الأغنية الطويلة وحفلات أول الشهر فكانت أغاني «أنا في انتظارك 1943» و«الآهات 1943» و«حبيبي يسعد أوقاته 1943» و«الأولة في الغرام 1944» و«أهل الهوى 1944» و«الأمل 1946» و«حلم 1946» وفيما بعد، وبعد زعل 13 عاما، أغنية «هو صحيح الهوى غلاب 1960» لبيرم التونسي وزكريا أحمد.
مقابل غناء أم كلثوم أزجال أحمد رامي وبيرم التونسي الشعبية السهلة، اختص منافسها محمد عبدالوهاب «مطرب الملوك والأمراء» بغناء قصائد وأشعار أمير الشعراء أحمد شوقي وغيره، لذا قام رياض السنباطي بنقلة نوعية لأم كلثوم عام 1946م عبر تلحينه قصائد لشوقي ورامي وغيرهما مثل «سلوا قلبي» و«نهج البردة» و«هلت ليالي القمر» و«غلبت اصالح» ثم روائعه «ياللي كان يشجيك أنيني 1949» و«سهران لوحدي 1950» و«جددت حبك ليه 1952» وأكمل ذلك بقصائد عدة كـ «رباعيات الخيام» و«أراك عصي الدمع» ثم أجمل أغاني أم كلثوم على الإطلاق ونعني «الأطلال» للدكتور إبراهيم ناجي.
في أواخر الخمسينيات، وكما تذكر الباحثة د.سهير عبدالفتاح، شعرت أم كلثوم بشيخوخة صوتها كما غلب «الرتم» الواحد على أغلب أغانيها وحفلاتها، لذا اتجهت لجيل الشباب وطلبت من بليغ حمدي الذي كانت في منتصف العشرينيات ان يلحن لها أغنية شبابية فكانت أغنية «حب إيه» وقد لحن لها قبل ذلك بسنتين أغنية وطنية هي «إنا فدائيون» واتجهت بعد ذلك لمحمد الموجي وسيد مكاوي.
وكانت أم كلثوم ترفض الغناء لمطربين وملحنين مشهورين، أمثال محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش، كونها تعتقد ان نجاح أي أغنية يقومون بتلحينها سينسب لهم لا لها، إلا انها قامت في سهرة خاصة عام 1944 بتقديم أغنية من كلمات كامل الشناوي ولحنها محمد عبدالوهاب كان مقطعها الأول يقول «لست أقوى على هواك ومالي أمل فيك فارفقي بخيالي» ولم تشتهر تلك الأغنية أو تذع، لذا اعتبرت أغنية «انت عمري 1964» أول أغنية تجمع العملاقين، وقد أساء عبدالوهاب كثيرا لأم كلثوم في أغانيه حيث «فرد عضلاته» الموسيقية في مقاطع تمتد لنصف ساعة قبل الأغنية، كما كشف المساحات السيئة في صوتها حيث جعلها للمرة الأولى تتنحنح في بعض المقاطع، رحم الله موحدة العرب الأولى السيدة أم كلثوم!
أنا أمكم وطفلتكم
لقد كنت جميلة! البعض يقول إنني لا أزال كذلك، ولكني لا أحب نفسي كثيراً هذه الأيام، فقد اصبحت أخيف أبنائي، وأتسبب في قتل أهلي من غير قصد بتجويعهم حتى الموت، كما أقوم أحيانا بتحويل أكثر أيامهم إشراقا، وفي لمح البصر، إلى موت ودمار.
عندما أقف كل يوم هناك وأحرك يدي لوداع كل أولئك الشباب وهم يستقلون تلك الطيور الحديدية الضخمة، أشعر بالغيرة لعلمي بأنهم سيذهبون للتسوق في شوارع لم أسمع بها، مبتسمين لغرباء لا يعرفون حتى من أين أتوا وليعملوا وينجحوا.. آه كم أتمنى أن يكونوا معي الآن ليعملوا في كنفي، فأنا اشعر بالعجز من غيرهم، فآلاف وآلاف تركوني الى الابد، ومن عاد منهم لم يتجاوز المئات وانا هنا في الانتظار.. وفي انتظار عودتهم.
جاءت الصبية في ذلك اليوم، وكانت كالملاك بفستانها الأبيض ووقفت على الشاطئ وفنجان القهوة بيدها، وهي تنظر إلى البحر والكلمات تخرج من بين «عينيها»: آه كم اشتاق إليك.. كم أحن اليك ولطقسك ونسمات بحرك، كم أشتاق للتطلع من خلال نافذة غرفتي إلى النجوم وهي تملأ سماءك، عندما يكون الكون نائما وليس هناك غيرك.. آه كم اشتاق إليك!! إنني افتقد انتمائي لك، افتقد الأمان، انك لا تعرفين مدى قسوة أن يقوم أحدنا من النوم كل صباح، وهو يتساءل عما اذا كان أهلي وأصحابي بخير. ولا يشعر أحدنا بالاطمئنان حتى يقرأ صحف الصباح ويجري بضع مكالمات هاتفية إذا كان هناك خبر انفجار هنا أو قنبلة هناك.
سمعت كلام ذلك الملاك الجميل، وامتلأت مقلتاي بالدموع، وملأ الغضب قلبي، ولم اعرف كيف يمكنني مواساتها، فجسمي ثقيل ومتناثر وارضي أصبحت تستمتع بدمويتها، وبين كل لحظة وأخرى ينفجر احد شراييني ويموت من جراء ذلك بعض أطفالي الأبرياء وليس بمقدوري فعل شيء.. ولكني أحاول.
وعاد صوت الملاك، وسمعتها تقول: إنني أود أن أعود لك وأموت على أرضك بين أهلي، بين أبي وأخي، فأنا أريد أن أربي أبنائي معك كما سبق أن تربيت عندك.. عندما لم نكن نعرف الفرق بين المسلم والمسيحي وحتى اليهودي.. ولم اسمع أبداً عن ارهاب، فأنا أريد أن يتربى أبنائي على النظام والاحترام والحرية، والأهم من ذلك على الكرامة، فماذا حدث لك فأنت لم تعودي كما كنت؟
وهنا شحت بوجهي ومضيت فلم اعد قادرة على سماع المزيد، ولكنها لم تتوقف عن مناداتي، ولم أجب فقد حطّمت قلبي، فقط لأنها كانت تقول الحقيقة، فأنا لم أعد إلى ما كنت عليه من سحر وجمال، فقد سلب «الزعران» مني كل ذلك.
أشعر بالخجل فقد تسببت في مجاعة شعبي، وليس لدي سقف يظلهم ولا أمان وحب يلفهم، وأشعر بالألم، فأنا أود ان اقاوم وأتحمل أكثر فربما، ربما، يعرف أهلي ويشعرون بآلامي ويحاولون مساعدتي في الوقوف بدلا من السير فوقي، ولكني لا ألومهم فهم جياع وفقراء!!
وتركتني فتاتي الملاك بعدها بأيام قليلة على احد تلك الطيور المعدنية الضخمة، ونظرت خلفها وهي تصعد سلم الطائرة وهي تتأمل أن تعود وتراني، على الاقل، كما أنا عليه الان، ولكننا نعرف ان المسألة ستكون خلاف ذلك!!
صرخت عليها، صرخت عاليا لعلها تسمعني طالبا منها العودة فليس بمقدوري ان اضمن لها الأمان، ولكن بامكاني ان اعدها انني واياها بإمكاننا فعل شيء! عودي واعيدي معك كل اولئك الذين تركوني، فأنا مشتاقة لكم كثيرا، وافتقد وجوهكم وضحكاتكم وآهاتكم.. عودوا وقاتلوا من أجلي، نظفوا ما تراكم علي من أوساخ وما علق بي من مخلوقات فاسدة غيرت معالمي.. ساعدوني لكي أقف فليس بامكاني أن اقول بذلك وحيدة:
فأنا مدينتكم، وأنا أمكم، وأنا طفلتكم.. أنا بيروت!!!
* * *
• ملاحظة:
ترى هل سيتعلم الكويتيون شيئا من قصة بيروت؟ أشك في ذلك!!
مترجمة بتصرف عن كاتب مجهول.
أحمد الصراف
سنة «الخمسين دينارا»!
في الذاكرة الشعبية البحرينية التراثية التاريخية، بضع مناسبات ارتبطت بحوادث شهدها المجتمع البحريني… من بينها حوادث كبيرة لكن تاريخ حدوثها غير محدد بالضبط… كأن يقال «سنة الطبعة»، فتختلف بشأنها التواريخ، ولا أستطيع شخصيا أن أدلي بدلوي في تحديد تاريخ لأنني ببساطة: لا أمتلك المعلومة.
دعونا من «سنة الطبعة»، لنستعرض بعض الحوادث «الميتافيزيقية» التي مرت بالبلد، ففي أواخر السبعينيات انتشرت قصة الفارس الملثم، وفي مطلع الثمانينيات، رحل الفارس الملثم لتنتشر في المجتمع البحريني قصة «أبو قرون»… ففي القصة الأولى، كان الفارس المجهول يثير الرعب في النفوس، وخصوصا بالنسبة إلى الصغار الذين ينتقل إليهم الخوف تلقائيا من «فزع» الكبار أنفسهم من ذلك الفارس الملثم الذي يظهر ليلا، وربما نهارا أيضا في مناطق مختلفة من البلاد ليثير الرعب… لكن أحدا لم يشاهد ذلك الفارس وجها لوجه، ومن ينبري ليعلن للناس أنه رآه وحدثت بينه وبين الفارس الملثم جولة من جولات البطولة، أو ملاحقة مغامراتية مبهرة، فإنه كاذب كاذب كاذب…
أما «أبو قرون» فهو الآخر كان يخيف الناس، بمجرد أن يقول قائل» «جاكم بو قرون! لن تجد في السكيك ولا طفطوف»! وتصبح طرقات الديرة خاوية على عروشها… وربما لن يشعر ذلك الشخص الذي جاء إلى الخباز ووجده بلا طابور طويل… فبدلا من أن يفرح ويشتري ما يريد من الخبز ويمضي… فإنه يهرب تسابق الريح قدماه لأنه يعلم أن المسألة فيها «أبو قرون» و «خل الخبز ينفعك»؟!
كلها خرافات في خرافات، لكن الناس كانت تعيش فصول القلق لحظة بلحظة…
في عقد التسعينيات، ولربما كان ذلك فيما بين العامين 1992 و1993 انتشرت قصة أخرى، وهي قصة «شحمة الخير»… هل تذكرونها؟! إذ كان الناس يتناقلون قصة قطعة غريبة من اللحم يتم الاحتفاظ بها في المنزل ورعايتها وإطعامها، وهي تجلب الخير… أعتقد أن الكثيرين يتذكرونها؟
دعونا من ذلك كله، فلدينا اليوم حال مشابهة… ينام الناس ويصحون وهم يتحدثون عنها… إنها قصة «الخمسين دينار بدل الغلاء»… ولا ندري هل سيكون في مقدور الناس أن يصلوا إلى لحظة تحقق الحلم الوردي بصرف بدل الغلاء المقدرة بخمسين دينارا لكل أسرة يقل مدخولها الشهري عن 1500 دينار… وعلى رغم عدم وضوح آلية الصرف وموعده الذي طالب مجلس الوزراء النواب بالإسراع في إقرار موازنته البالغة 40 مليون دينار ليتم صرفها قبل الخامس عشر من الشهر الجاري… أي في الأسبوع المقبل، فإن الآمال معلقة دائما على نواب الشعب في إزالة هذه الغمة عن هذه الأمة، وإشاعة حال من الفرح والسرور تدخل كل بيت وتنهي حال الترقب والقلق والمعاناة والخوف من أن تصبح تلك الأحجية واحدة من أشهر الأحجيات التي ترسخت أو ستترسخ في الذاكرة الشعبية البحرينية.
أينما تذهب ستسمع الناس تتحدث عن اليوم المنتظر لوصول الخمسين دينارا إلى جيوب المواطنين الذين طال انتظارهم، ولن تستغرب إذا سمعت بعضنا يوعد أطفاله بأنهم سيعيشون في القادم من الأيام، سنوات جميلة من الرفاهية ورغد العيش بمجرد تسلم معونة بدل الغلاء!
سنة «البونس» مضت إلى غير رجعة، وسنة الزيادات ستكون ربما متطابقة مع حسابات السنوات الكبيسة، لكن سنة «الخمسين دينارا»، 2008، محملة بالآمال الكبار في مواجهة غول الأسعار الذي لا يرحم… فقد أصبح الناس يتحدثون عن الخمسين دينارا وكأنها آخر العلاج (الكي) الذي سيحرق غول الغلاء حرقا يجعله يرمي نفسه في البحر! ويبدو لي، أن غول الأسعار، هو الرديف الشعبي لـ «أبي قرون» و «الفارس الملثم»… مع فارق بسيط… وهو أن غول الغلاء حقيقي حقيقي… فيما كان «أبو قرون» و «الفارس الملثم» مجرد قصتين خرافيتين عبيطتين.