سنون طويلة من العداء والتنافر كانت قائمة بيننا المواطنين ووزارة الداخلية، لاتزال بعض آثارها قائمة، غير أنها لن تمكث طويلا إذا ما استمرت الوزارة في صنع النقلات على مستوى الإدارة والأداء، والتعامل مع الجمهور بحجم حساسية وأهمية هذا القطاع…
في هذا الإطار، كانت تدور معظم الردود والتعقيبات التي وردت على موضوع يوم الخميس الذي كان عنوانه: «حين نتحدث عن السجون»… فالكثير من القراء يرون أن مسار إنهاء حال العداء بين الطرفين يسير في اتجاه إيجابي أفضل من السابق، على رغم بروز هفوات في مواقف وحوادث تشهدها البلاد بين فينة وأخرى، وخصوصا بالنسبة إلى الصدامات العنيفة، وهذا يعني – كما قلنا – أن الفرص متاحة، وإذا كان الكثير من المواطنين يرجعون الفضل في هذا التحول إلى جهود الوزير الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، والمسئولين الذين يدفعهم الإحساس العالي بالمسئولية الوطنية، فإن هناك طرفا مهم آخر ساهم في هذا التحول، وهم مؤسسات المجتمع المدني والناشطون والأفراد الذين استطاعوا بناء علاقة قادرة هي الأخرى على التجدد في هذا المسار، بالإضافة إلى طرف مهم آخر، وهم أصحاب الفضيلة العلماء الذين أوجدوا قناة مباشرة للوصول إلى الوزير في حال تطلبت الظروف ذلك.
وعموما، لو تساءلنا عن حال العداء السابقة، سنجدها نابعة من حال انعدام الثقة بين الوزارة والمواطن فيما يتعلق بالدور الأمني والتنموي والاجتماعي والديمقراطي، ووقوع أخطاء كبيرة كان للعهد الجديد للوزارة الدور الأبرز في تنحيتها من خلال تكريس مفهوم حقوق الإنسان والتعامل المرن مع الأطراف الأخرى المهمة، في مجتمع مدني يشهد حراكا سياسيا واجتماعيا نشطا… وإذا كانت التجاوزات غير القانونية التي كانت توصم الوزارة في السابق، انخفضت بدرجة كبيرة، وطالما فتحت الوزارة أبوابها لتوظيف البحرينيين من الكوادر الشابة وخصوصا في تجربة شرطة خدمة المجتمع، والصدق في محاسبة من يتجاوز صلاحياته من المسئولين وجد الطريق، فإن مسار بناء الثقة يمكن أن يحقق مستقبلا نتائج أفضل طبقا للتحول المرحلي في عمل الوزارة على أسس الجودة.
وربما أمكنني توضيح مناسبة هذا الموضوع، وهو الحدث المهم الذي شهدته الوزارة في الأسبوع الماضي بتكريم قطاعات من الوزارة بمناسبة الحصول على شهادة «نظام إدارة الجودة الشاملة»، وهي المناسبة التي وصفها الوزير بأنها نقطة انطلاق لتكثيف المزيد من الجهود في سبيل التطور والتقدم الذي يخدم أمن الوطن وأمان المواطنين والمقيمين ويعزز الاستقرار، الشيء الذي يؤدي بالتالي إلى خدمة الاقتصاد وازدهار التنمية في البلاد. ولاشك في أن خدمة أمن الوطن والمواطنين والمقيمين في بلادنا يعني أن المسئولية مشتركة يجب أن تحملها الدولة والمواطنون كذلك، لأن البلد في أمس الحاجة إلى تكريس أسس العمل المشترك الذي يحفظ حقوق الجميع، ويقود نحو استقرار شامل لا تتحقق التنمية إلا به.
إن اهتمام الوزارة بتنفيذ البرامج والخطط التي تجعلها في تجدد دائم، سيسهم من دون شك في إحداث المزيد من التقارب والثقة العالية، بينها وبين جمهورها الأوسع، وهم المواطنون، الذين سيقتربون منها كلما اقتربت منهم في شراكة مجتمعية تضع مصلحة الجميع على أعلى القائمة.