ربما يصلح الحديث عن الماضي، لا العيش فيه واستحضاره واقعا يحدث إسقاطا على الحياة اليومية… فالتجدد والتطور والتفكير في الحاضر والمستقبل… ثم التغير للأفضل هو سنة الحياة، لكن لا بأس أبدا من النظر إلى الماضي من ناحية إعادة القراءة والتحليل لتجاوز الأخطاء… فالأخطاء حين يتم تشخيصها صورة علمية متأنية، تمنحنا الفرصة لأن لا نقع فيها مجددا.
وإلا، هل كان في الإمكان الحديث عن أوضاع السجون قبل 8 سنوات؟ أبدا، وهنا لابد من الاعتراف بأن هذه المؤسسة الإصلاحية، تلزم الاهتمام والرعاية لأنها تضم بشرا… مواطنين أخطأوا ويتلقون جزاء ما جنوا لكنهم يبقون بشرا لهم حقوق… وإذا كانت هذه الحقوق مصانة من جانب الدولة، فإن إمكان تأهيل وإصلاح أولئك الناس ليعودوا مجددا ويندمجوا في مجتمعهم ويعيشوا حياتهم، تصبح مسئولية مشتركة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.
لذلك، جاءت الزيارة التي قام بها مجموعة من الصحافيين يوم الاثنين الماضي لإدارة التأهيل والإصلاح بسجن جو المركزي لتمنحنا المزيد من الطمأنينة بأن مسلوبي الحرية أولئك، إنما هم تحت رعاية الدولة، وفي أيد أمينة تجعل ذويهم في راحة بال، وهذا ما يجب أن تشعر به كل أسرة لديها مسجون أو موقوف… والمهم من ذلك، أن هذا الانفتاح من جانب المسئولين بوزارة الداخلية يمنحنا فرصة لفتح قنوات بين مؤسسات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين لاستمرار متابعة أوضاع هذه المؤسسة الإصلاحية… فهي على قدر كبير من الحساسية لا يمكن الاستهانة به إطلاقا.
في تلك الزيارة، تحدث المفتش العام بوزارة الداخلية العميد إبراهيم حبيب عن محور مهم وهو الشراكة الحقيقية بغرض القضاء على المخدرات، وذكر أن إدارة الإصلاح والتأهيل تستعين بـ 5 وعاظ دينيين، فضلا عن توفير رجال من الكنيسة من أجل تقديم النصح للسجناء، وليس هناك من شك في أن الوزارة، وعلى رأسها الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، الذي أطلق مشروع الشراكة المجتمعية، قادرة على أن تفرد هذا المفهوم، ليس في مجال التصدي لمشكلة المخدرات داخل المؤسسة الإصلاحية، بل لترسيخ مبادئ حقوق الإنسان التي يضمن تنفيذها بقناعة المزيد من تحسين الأوضاع للسجناء والموقوفين. ولعل في تأكيد العميد حبيب أن الوزارة وضعت خطة جديدة تقوم على إشراك أفراد شرطة خدمة المجتمع في الرعاية التي تلي الإفراج عن السجين، من خلال القيام بزيارته في منزله والتواصل معه، قناة جديدة للتواصل الحقيقي مع المؤسسات والجمعيات التي تعمل على صيانة حقوق السجناء.
لسنا في حاجة إلى “حواجز” تثير حال من عدم الاطمئنان، سواء على الموقوفين في الحوادث الأخيرة أو السجناء عموما، ولطالما أن هناك بين أيدينا قنوات لرصد أية مخالفات أو شكاوى من السجناء، فإن فرص الحل – هي الأخرى – تصبح قابلة للتنفيذ، ويستحق عضو كتلة الأصالة الإسلامية النائب إبراهيم بوصندل الشكر في الحقيقة على مبادرته التي استجابت لها وزارة الداخلية تجاوبا مع مناشدة الأهالي بإزالة الحاجز الزجاجي الذي كان يفصل بين السجناء الرجال وأهاليهم أثناء الزيارة، لأننا في حاجة حقيقية إلى التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في تلمس المسئولين لاحتياجات الأهالي والتخفيف من معاناتهم، وكلنا أمل في أن هناك المزيد من المبادرات والمزيد من التجاوب من جانب الطرفين، إلى أن يكمل كل من أخطأ عقوبته، ويعود إلى مجتمعه ويواصل مشوار حياته