«نكثر من شكوى فقر الجيب وحري بنا الشكوى من قلة التدبير!!»
نشبت قبل أسابيع معركة «أخلاقية» بين نواب الاستحواذ من جهة، والغيورين على مستقبل الدولة ومصير الأجيال القادمة من جهة أخرى، كان ميدانها ثروات الأمة النقدية التي طالب هؤلاء النواب الحكومة بتسييلها وتوزيعها على «الشعب» في شكل زيادات كبيرة على رواتب موظفي الدولة، وإسقاط قروض البعض من المواطنين وإدخالهم الجميع كشركاء مؤسسين في بنوك وشركات جديدة عملاقة، دون تحميلهم شـــيئا من رؤوس أموالها، وأخيرا وليــــس آخـــرا، توزيع منح سنوية نقدا على كل فرد يحمل الجنسية الكويتية!
لا نود هنا التقليل من معاناة عدد كبير من المواطنين الذين تورطوا، بملء إرادتهم أو بغير ذلك، في الاقتراض لفرش بيت أو تكملة قيمته أو تمويل رحلة شهر عسل أو غير ذلك من الأمور الأكثر أهمية وحيوية، ولكن هذا لا يعني أن الأمة كلها مدينة للمصارف وشركات التمويل!
ولو نظرنا لعدد الشركات المساهمة التي قامت الحكومة بإلزام مؤسسيها بتخصيص نسب كبيرة من رؤوس أموالها للمواطنين، وذلك فقط في السنوات العشر الأخيرة على الأقل، وللزيادات شبه الخيالية التي طرأت على أسعار تلك الأسهم فور إدراجها في سوق الأوراق المالية بعد فترة، والتي بلغت ستة أضعاف سعر التأسيس في حالة «طيران الجزيرة»، وأكثر من سبعة أضعاف ذلك في بنك بوبيان كمثالين فقط، لوجدنا أن الكثيرين الذين لم يكترثوا بالمساهمة في أسهم الكثير من هذه الشركات المساهمة، سواء من مدخراتهم أو بالاقتراض، وكانت نتيجة ذلك خسارتهم للكثير، وبالتالي فحريّ بهؤلاء الشكوى من سوء التدبير أكثر من شكواهم من سوء الحال والمصير.
المسألة لا علاقة لها بالشماتة أو السخرية من أي كان، ولكن من قبل بأن يبقى فقير المال والحال في بلد معطاء، كالكويت فسيبقى كذلك بزيادة رواتب أو بغيرها، ولو أعفي من دفع أقساط قروضه، فإنه سيهرول في اليوم التالي للاقتراض من جديد!
إن من ولدوا وفي أفواههم ملاعق ذهب أو فضة، أو حتى «ستانلس ستيل»، لم يكونوا يمثلون شيئا قبل عقود ثلاثة فقط. ولكن لو نظرنا لعددهم الآن لوجدنا أن نسبتهم قد تضاعفت مرات عــــدة عما كانت عليه قبل ثلاثين عاما! وســــبب ذلك يعود للتدبير والتوفير والحرص في إدارة المال، وهذه جميعها تحتاج عادة إلى مستوى معقول من التربية والتعليم.
يقول المثل الشعبي العراقي: «عندك تاكل؟ قال: لا! قال: عندك تغرم؟ قال: بلي!».
وهكذا حال الكثيرين منا الذين هم على أتم الاستعداد لصرف آخر قرش في جيوبهم على اللذيذ والممتع، ولكن عندما تحين فرصة استثمارية جيدة كشراء سهم فإن التردد يكون عادة سيد الموقف.
إن الفرصة لم تضع أمام هؤلاء لتحقيق ثروات صغيرة تكون نواة لثروات أكبر، فالشركات المساهمة العملاقة قادمة قريبا ولكن مَنْ م.ن هؤلاء سيكترث بالمساهمة فيها، ومن منهم سيسمع بها أصلا، لولا الطلب على شراء «جنسياتهم»؟!
أحمد الصراف