الحسين (ع)، ليس مصدر إلهام نضال تاريخي للباحثين عن الحرية في هذا الزمان كما اعتقد ويعتقد البعض من المفكرين والخطباء والمشايخ – ومن بينهم مشايخ الفتنة – فقد تجاوزت نهضته هذه الأطر ليصبح وتصبح مبادئه منهجا عصريا متجددا مع كل أمة، تعيش في وجدان أية جماعة من البشر أينما كانوا.
الحسين (ع)… لم يهزم ولن يهزم… وليس الحديث هنا حديث تاريخ! فلست من أولئك الذين يميلون إلى التوغل في غياهب الكتب والكهوف المظلمة فيها ليعيشوا في زمان مضى، لا يثمر إلا عن مزيد من البعد عن العصر ومتطلباته، ولأنه ليس حديث تاريخ، فإن ثمة محاولات عصرية حديثة، على ألسنة أناس أطلقواعلى أنفسهم مشايخ أو باحثين إسلاميين، هم اليوم في الكثير من الدول الإسلامية، لا هم لهم إلا أن يقولوا للأمة : «الحسين خرج على دين جده فقتل بسيف جده»! لكن الأمة لم ولن تصغي لهم.
جاهدوا لنشر الفكرة سنين طويلة، حتى ألف بعضهم «كويتبا وكتيبا» صغير الوزن رخيص المضمون يدافع فيه عمن ظلموا الحسين (ع)، فلم يجد من أبناء الأمة الشرفاء إلا كل الاستنكار والرفض في زمن العلوم والتقنيات التي أصبحت فيه البشرية في حاجة إلى المد المعنوي والمضامين النفسية والأخلاقية والاجتماعية التي يحتضنها في حضن العدالة الاجتماعية المنبثقة عن الدين المحمدي وامتداده الحسيني الرسالي.
الحسين لم يهزم ولن يهزم… في ذلك الزمان، في يوم العاشر من العام 61 للهجرة، حتى قال من قال: «الحسين انهزم عسكريا لكنه انتصر دينيا وأخلاقيا»، لهذا، ذهب العتاد وذهب العسكر وذهبت ريحهم، وبقي عطاء الحسين يتجدد… يضرب كلام وترهات المتخلفين عرض الجدار. تعالوا نقرأ ما قالته الكاتبة الإنجليزية فريا ستارك التي كتبت فصلا صغيرا عن عاشوراء في كتابها المعروف باسم «صور بغدادية» في صفحة (145 – 150) المطبوعة في كيلد يوكس العام 1947:
«على مسافة غير بعيدة من كربلاء جعجع الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب مخيمه… بينما أحاط به أعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه. ولاتزال تفاصيل تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس في يومنا هذا كما كانت قبلا، وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيرا من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة، لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس، وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء».
انتهى الاقتباس… لكن تلك الكاتبة لم تبك في العام 1947 أو ما قبله أو ما بعده لأنها «جزعة» تلطم الخدود… بل لأن مأساة الحسين «تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس»… والأسس هذه كلها مجموعة في مبادئ عاشوراء الحسين (ع)، لذلك، لم ولن ينهزم.