في الوقت الذي ينشغل فيه العالم اجمع تقريبا، الا سقط المتاع منه، في تطوير وتحسين مختلف المنتجات والمخترعات واستنباط الحلول للكثير من العقد والمشاكل، وايجاد الامصال والادوية للعديد من الامراض، واختراع كل ما يدخل الراحة إلى معيشتنا والبهجة إلى نفوسنا، وتطوير التعليم، وشحذ الهمم لاكتشاف الفضاء الخارجي والمجهول من الارض، وتأليف الكتب وتطوير المختبرات والتوسع في عدد الجامعات العلمية، ودراسة كيفية زيادة انتاج الارض من الطعام، وتوفير الغذاء لمئات ملايين الجياع والادوية لمن يماثلهم من المرضى، في هذا الوقت بالذات والعالم يقف على قمة ثورة علمية واقتصادية لم يشهد التاريخ لها نظيرا، اعلنت وزارة الاوقاف في الكويت على لسان كبار مسؤوليها الذين تصدرت صورهم وتصريحاتهم صفحات صحف الاربعاء الماضي، عن اطلاق اشارة بدء التسجيل في برنامج علماء المستقبل! فوكيل وزارة الاوقاف السيد عادل الفلاح، ورئيس المكتب التنفيذي في المركز العالمي للوسطية نشر تصريحا في ‘الوطن’ اعلن فيه عن بدء التسجيل في برنامج ‘علماء المستقبل’ الذي يهدف لرعاية ‘نخبة من العلماء الفائقين’، حسب قول الوكيل، في علوم الشريعة!!
اما السيد الوكيل المساعد في الوزارة مطلق القراوي، مشرف عام البرامج العلمية في المركز العالمي للوسطية، فقد صرح ل’القبس’ بأن البرنامج ‘علمي وعالمي رائد’ وسيتخصص في تخريج علماء الشريعة الذين يتصفون بالوسطية في الفكر والسلوك، والذين تتراوح اعمارهم بين 13 و16 عاما!! واضاف السيد القراوي أن البرنامج يهدف إلى الاسهام في سد حاجات البشرية (!!) لا الكويت والعرب والمسلمين فقط، بل البشرية، من العلماء الربانيين المتميزين بقوة العلم واعتدال الفكر وتهذيب السلوك وابداع المهارات!! وقال إن نتائج البرنامج لن تظهر قبل عشر سنوات، اي عندما يبلغ هؤلاء ‘العلماء ما بين 23 و26 عاما من العمر المديد (!)’.
واكد السيد القراوي أن مدة البرنامج 3 سنوات (!!) وسيتضمن حلقات دراسية ومكافآت مالية، وسيقام للطلاب، اثناء فترة الدراسة، برنامج رحلات ‘علمية’ داخل البلاد وخارجها!
لن نعترض على كل هذا الكم من التناقض الهائل الذي تضمنته تصريحات هذين المسؤولين، ولا ما اثارته من تساؤلات، ولا لحقيقة ان ما سيدرس لهؤلاء الطلبة من ‘وسطية’ سيكون تابعا لفكر سياسي ‘اخواني’ محدد مسيطر على امور الوزارة، ولكن ما نود الاعتراض عليه هو شعار البرنامج الذي ركز على مقولة ان ‘العلماء ورثة الانبياء’، ومحاولة تصوير العلم بأنه لا يعني غير الفقه والحديث والشريعة والكلام، اما بقية العلوم ‘الحيوية’ الاخرى فهي غير ذات اهمية للبشرية!!
نتمنى على الحكومة ووزير العدل فعل شيء بخصوص هذا البرنامج السياسي الحزبي الذي ستهدر عليه اموال كثيرة اخرى من دون هدف واضح، فبعد عشر سنوات سيكون الوقت متأخرا جدا لمحاسبة اي كان على هدر خمسين مليون دولار اخرى على برنامج هلامي لم يستفد منه غير اعوان حزب سياسي ديني معروف.
أحمد الصراف