أسوأ ما يمكن سماعه هذه الأيام حول ما يدور في البلد هو ان الوضع طبيعي ومطمئن كون لا شيء يحدث خارج إطار الدستور، وان الأزمات السياسية التي تلد أزمات أمر معتاد ضمن الممارسة الديموقراطية المتقدمة (!)، وبالتالي لا يوجد خطأ أو ضرر على البلاد والعباد من الأزمات السياسية والاضرابات النقابية والتخندقات الشعبية التي قاربت ان تقسم البلد وتبث الفتنة بين صفوف أبنائه.
ان من «المصائب» ان يقول بعض الساسة والكتاب والنواب – مكابرة – إن الأمر طبيعي، وهم من يعلمون في قرارة أنفسهم بعكس ذلك، ومن «الكوارث» بالمقابل ان يقول بها آخرون، ساسة وكتاب ونواب وهم يعتقدون حقيقة بصحة تلك الممارسات، ان الأزمات السياسية أمور لا يفتخر بها وهي دلالات أمراض مجتمعية خطيرة تعيق التنــمية وتسبب التخلف كما انها أعراض ضعف وانقسام وعلامات دالة على مستقبل مظلم للبـــلدان المبتــلاة بها، فلم تحــدث كـوارث كبــرى من حــروب أهلــية وانهيارات اقتصادية في الدول المختلفة إلا سبقتها أزمات متلاحقة.
اننا بحاجة الى وقفة جادة من عقلاء البلد لما يحدث على الساحة السياسية والإقرار بخطئه ومعه القيام بما يلزم لتصحيحه، والإيمان توازيا بأن أهم أسس اللعبة السياسية الناجحة والبناءة والداعمة لعملية التنمية المستدامة هي التي «لا يشعر بها أحد»، لا التي تصم أصواتها آذان الجيران والعالم.
ان تلك الرؤية الجديدة للعبة السياسية التي ستقفز بالبلد خطوات ضخمة الى الأمام تحتاج الى قواعد جديدة للعبة تبتعد بها عن المماحكات والتصريحات الإعلامية اليومية الساخنة، كما يجب ان تشتمل القواعد الجديدة على كم كبير من التفاهم والتسامح وغض النظر عن صغائر الأمور كحال الأخطاء اليومية في الوزارات المختلفة والتي تحتاج محاسبة الوزراء عليها الى الاستبدال اليومي لهم، ان حادثة استقالة وزير النقل الياباني في أواخر الستينيات على معطى خروج قطار عن السكة هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة، فلم نسمع بعد ذلك عن استقالات في اليابان أو غيرها على معطى الأخطاء الحكومية اليومية وما أكثرها.
ان جوائز ذلك النهج الجديد ستصيب المواطنين والنواب والوزراء والوطن بالتبعية، فسيتوقف المواطنون عن جرعات التوتر والتذمر اليومي من أداء المجلس، كما سيرتاح النواب من الحاجة الى التسخين السياسي المتعب لكسب رضا الناخبين، كما سيتفرغ الوزراء للإبداع والإنجاز في وزاراتهم كحال زملائهم في الدول الخليجية التي نحسدها على إنجازاتها الناتجة عن استقرارها السياسي، كما ستقلع طائرة الوطن التي أدماها التوقف منذ سنوات رغم الهواء الساخن والضجيج العالي الصادر من محركات يدفع نصفها بعكس نصفها الآخر فتبقى الطائرة ساكنة رغم علو الصوت في حين انطلقت طائرات الدول الأخرى مسرعة نحو المستقبل المشرق.
آخر محطة:
ومن قواعد اللعبة الجديدة ضرورة البعد عن المطالبات المدغدغة وغير العقلانية غير المعمول بها في 200 دولة أخرى شريكة لنا على كوكب الأرض والتي تحرج بقية النواب كي لا نسمع ذات يوم بمقترح توزيع مداخيل الدولة أولا فأولا على المواطنين ممن سيصطفون يوميا قرب الموانئ لتوزيع دخل بيع النفط ناقلة فناقلة.