ذكرنا في مقال سابق ان تخصيص «الكويتية» يتعارض ويتناقض تماما مع القرار الاستراتيجي الصائب بتحويل الكويت الى مركز مالي، حيث ان «جميع» الدول الأخرى التي تحولت الى مركز مالي ناجح يقصده ملايين السائحين والمستثمرين نجحت في الوصول لذلك الهدف السامي عبر إنشاء شركات طيران حكومية عملاقة لذا لا يمكن تصور نجاح سنغافورة أو دبي أو قطر أو أبوظبي دون الدور الهام الذي لعبته شركات طيرانها العامة، فهل عقول البعض منا أكبر من عقول الخبراء والمختصين في تلك الدول مجتمعين؟!
أظهرت الأرقام ان خسائر «الكويتية» للعام المقبل تفوق 25 مليون دينار قابلة للزيادة تبعا للظروف الأمنية المحيطة، وهناك من يعتقد وبذكاء خارق يحسده عليه كثيرون ان القطاع الخاص الكويتي يغلب عليه الغباء الشديد لذا سيقوم بشراء مؤسسة خاسرة كحال «الكويتية» ثم سيتكفل هو بتشذيبها وتهذيبها والتفاهم مع نقاباتها، أي ان القطاع الخاص سيضع الحصان خلف العربة الثقيلة ليدفعها برأسه حتى ينفجر!
وتظهر بالمقابل «جميع» تجارب الدول الأخرى ان الحكومات هي من يقوم بتحويل القطاعات العامة الى الربحية «قبل» عرضها على القطاع الخاص فقد تسلم اللورد كنغ شركة الطيران البريطانية وكانت خسائرها قد تجاوزت 246 مليون استرليني فاستطاع ان يحيل تلك الخسارة الى ربحية قدرها
187 مليون استرليني في العام الأول ثم يستمر في الربحية لثلاث سنوات متتالية قبل ان يقتنع القطاع الخاص بشرائها.
وفي الأردن كانت خسائر الأردنية في منتصف التسعينيات تبلغ 635 مليون دولار واصبح الخيار آنذاك بين إعلان إفلاسها، نظرا لسوء الأوضاع المالية للدولة، وخصخصتها ضمن برنامج «التخصاصية» الذي شمل عشرات القطاعات المختلفة وقد تقرر في النهاية ان يتم بيع الأردنية للقطاع الخاص «بعد» تحولها للربحية ضمن حماية امتدت لـ 8 سنوات لها من المنافسة لمساعدتها على الربح ولترغيب المستثمرين والشركاء الاستراتيجيين فيها وهو ما تم.
وهناك من يطرح وبعبقرية نادرة كذلك تجربة خصخصة الدول الأخرى ويطابقها بتجربة الخصخصة القادمة للكويت ناسيا ومتناسيا الفارق الكبير بين حالتهم وحالتنا حيث ان القطاعين الحكومي والخاص في أميركا وروسيا وأوروبا وباقي دول العالم يعمل به مواطنوهم بنسبة تقارب 100% ومن ثم لا فارق على الإطلاق إن كانت البريطانية أو الأردنية.. الخ تملكها الحكومة أو القطاع الخاص.
لدينا ما يقارب 99% من الكويتيين يعملون في القطاع الحكومي ويعمل 1% منهم فقط في القطاع الخاص ومن ثم سيعني تخصيص أي قطاع بهدف الربحية طرد الأغلبية المطلقة من الموظفين الكويتيين (الهنود الحمر الجدد) واستبدالهم بعمالة آسيوية رخيصة، ودون حل هذا الإشكال الأساسي والرئيسي يصبح الحديث أو العمل على تخصيص «الكويتية» وغيرها من قطاعات مختلفة هو الدواء القاتل للكويتيين وللشباب الكويتي الذي أرحم منه الداء، والغريب ان من يطالب بهذا الخيار أو الدواء السام هو في الأغلب من لا يوظف إلا 1% من الكويتيين في شركاته ولا يكتفي بذلك بل يلاحقهم ويهدف الى طردهم من الوظائف التي وفرتها الحكومة لهم، وخوش وطنية!
آخر محطة:
المرجو من وزير المواصلات الفاضل عبدالله المحيلبي وقد ورث تركة ثقيلة لا يحسده أحد عليها، ان يغل يد من يتدخلون في عمله ويدّعون المعرفة بعلوم الطيران وهم أجهل الناس بتلك العلوم «التخصصية»، وان يستعين بمستشارين أكفاء من داخل أو خارج الكويت، فما نراه هو دمار ماحق لاحق قادم ممن تسببت أعمالهم الخاطئة في موجة الاضرابات التي شهدتها الكويت للمرة الأولى في تاريخها.