استضافنا برنامج «بانوراما» الذي تقدمه الزميلة منتهى الرمحي للحديث حول مؤتمر «آنابوليس»، وقد ضم اللقاء السيد صائب عريقات الذي كان هناك تفهم لما قاله، وأخوين فاضلين أحدهما من دولة عربية كبرى والآخر من فلسطين، لم نستسغ ما طرحاه كونه سيطيل معاناة الشعب الفلسطيني.
الأخ العربي ردد ما يقوله هيكل من ان المفاوضات هي انعكاس لموازين القوى، لذا علينا ألا نجلس على طاولة المفاوضات مع الاسرائيليين حتى نقوي أنفسنا ونتعادل معهم في القوة «التقليدية» ولربما النووية، وكان ردنا أن طرحا كهذا يربط التفاوض بشرط استحالة، حيث ان الدول العربية هذه الأيام إما متصالحة مع اسرائيل عبر معاهدات ومواثيق لا يمكن النكوص عنها أو يجاهد بعضها الآخر للحفاظ على وحدته القومية وتجنب عمليات الاقتتال الداخلي ولا يمكن ضمن تلك المعادلة الحقيقية والواقعية تحقيق موازين قوى في المستقبل المنظور، فهل نبقي مأساة العيش اليومي الفلسطيني لأجل غير مسمى؟! تتبقى حقيقة ان 90% من حالات التفاوض تتم عادة بين أطراف متفاوتة في القوة ولا عيب أو ضرر من ذلك.
الأخ الفاضل من فلسطين طالب بالرفض ومقاطعة المؤتمر وأيد اخراج المظاهرات ضده واتهم أميركا بأن تاريخها يظهر أنها وسيط غير محايد لذا لن تقوم بعمل جدي لتحقيق السلام، كان الرد بأن منهاجية الرفض والمقاطعة والتظاهر قد جربت مرارا وتكرارا كوصفة ناجعة لحل القضية الفلسطينية منذ اليوم الأول لبدئها إلا أنه في كل مرة ينتهي ذلك الخيار الرافض الى كوارث وتراجع في المواقف يجعلاننا نندم في الغد على ما رفضناه اليوم.
أما عن ان الواقع التاريخي يثبت ان أميركا وسيط غير محايد، فالتاريخ ذاته يثبت عكس ذلك تماما، فمع صدور وعد بلفور عام 1917 والوعد بذاته للعلم لم يخلق دولة اسرائيل بل نشأت اسرائيل نتيجة لضعفنا وتفرقنا واخطاء قيادات القضية الفادحة ورفضها لكل عمليات التفاهم والتفاوض والتعامل بحنكة وحكمة مع المتغيرات الدولية آنذاك ومع حقيقة ما يجري على الأرض الفلسطينية اضافة الى رهانها الدائم على الأحصنة القمعية الخاسرة من هتلر حتى صدام.
نقول مع صدور وعد بلفور وتمخض الحرب الكونية الأولى عن انتصار الحلفاء وتكشف أسرار اتفاقية سايكس بيكو، رفضت الولايات المتحدة تلك المؤامرة التي تتناقض مع مبادئ الرئيس ويلسون المعلنة، وقد طالب العرب المشاركين في مؤتمر فرساي عام 1919 بوصاية الولايات المتحدة على دولنا، كما أيدت أميركا عبر لجنة «كنج – كرين» مطالب عرب الحجاز والشام بالوحدة عقب ثورة الشريف حسين عام 1916 والتي لم تكن للعلم ثورة عربية، حيث لم تتطرق لمطالب عرب الجزيرة أو الخليج أو مصر والسودان أو ليبيا ودول المغرب العربي بل كانت ثورة حجازية – شامية امتدت للعراق.
والى العصر الحديث، ففي مؤتمر كامب ديڤيد الأول للسلام عام 79 كان تشدد الاسرائيليين أكثر من تشدد العرب أو تحديدا المصريين الذين استقال لهم وزيرا خارجية وقال بيغن اقطع يميني قبل ان اتنازل عن مستوطنات ومطارات سيناء فقد عشنا بدون سلام 30 عاما ولا مانع ان نعيش بدونه 300 عام أخرى الا اننا لا نستطيع العيش دون الأراضي الآمنة والتاريخية لاسرائيل.
وكانوا يستعدون للسفر عندما طرق الرئيس كارتر الباب الساعة الـ 3 صباحا على عيزرا وايزمان «كتاب الحرب لأجل السلام» لإقناعه بالضغط على بيغن للتنازل، وهو ما تم، وفي مؤتمر كام ديڤيد (2) عام 2000 قام كلينتون بالدور ذاته وحصل للفلسطينيين على 97% من أراضي الضفة والقطاع ومعها انشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس خلال خمسة أعوام، إلا أن الرئيس عرفات الرافض لكل شيء، فقد كل شيء وفي هذا قال الرئيس كلينتون في ختام المؤتمر لعرفات «لقد حضرت منذ اسبوعين ولم نسمع منك غير الرفض لكل شيء دون اعطاء بدائل، لذا أنت المسؤول عن افشال المؤتمر وبقاء معاناة شعبك» ولم تكن تلك المرة هي الأولى أو الأخيرة التي يتسبب فيها الراحل عرفات في الاضرار بشعب فلسطين.. ومازال بعض حلفائه على نفس الدرب سائرين، والحديث ذو شجون.