يرى أغلب أو جميع المفكرين والمثقفين العرب – وما أروعهم – ان سبب المد الديني الحالي في الوطن العربي هو نكسة 67 التي تسببت، حسب اعتقادهم وفكرهم العميق، بانحسار التيار اليساري وافساح المجال للتيار المحافظ والديني كي يسود الساحة العربية.
والحقيقة هي – كالعادة – أبعد ما تكون عن ذلك التصور الخاطئ، فقد ساد الفكر اليساري العالم أجمع، والوطن العربي بالطبع جزء منه ويتأثر به في الحقبة الممتدة من أواخر الخمسينيات حتى أواخر الستينيات، لذا شهدنا فوز كنيدي وجونسون في أميركا والحكومات العمالية في بريطانيا، ومثلها التواجد القوي للأحزاب الشيوعية في فرنسا وايطاليا واليونان وقبرص وغيرها.
تلا ذلك المد اليساري العالمي الواسع انحسار شديد له في أصقاع الأرض بعد ان اتضح خطؤه وعدم إيصاله الشعوب للجنات الموعودة وتساقطت قياداته أمثال سوكارنو ونكروما وسيكتوري.. الخ، وقد تسلم الراية منه الفكر المحافظ والديني – دون الحاجة لنكسة حربية – ومن ذلك ما شهدناه من التحول الى التاتشرية والريغانية وصعود قوة الكنائس المختلفة وضعف النقابات اليسارية، وعليه فليس صحيحا على الإطلاق ادعاء عباقرتنا ومفكرينا بأن نكسة 67 هي سبب التحول من الفكر اليساري الى الفكر الديني، فذلك الأمر كان قادما بالضرورة حتى لو لم تقم حرب الأيام الستة، فما كان للعرب ان يستمروا في دعم القيادات والتوجه اليساري والعالم بأكمله يتجه نحو اليمين.
مثل ذلك من ينظر لأوضاع الكويت في الستينيات، وقد كانت جزءا من توجهات المنطقة التي لم يكن معروفا لديها الاختلاف على معطى الطائفية والقبلية.. الخ، ثم يقارنها بعد ذلك بكويت اليوم ليصل الى استنتاج بسيط كسابقه يقول ان التحول الى 25 دائرة هو السبب في تفشي الطائفية والقبلية والفئوية التي نراها اليوم، أي اننا لو أبقينا على الدوائر العشر لما شهدنا تلك الانقسامات.
مرة أخرى تظهر الحقيقة الجلية، أنه لا علاقة على الإطلاق للدوائر الـ 25 بمثل تلك التحولات المجتمعية التي نشهد للأسف امتدادها في جميع بلدان المنطقة الواقعة شمالنا وجنوبنا، وحتى البعيدة منا دون ان تكون لديهم بالطبع تقسيمات دوائرنا الـ 25، فالعراق على سبيل المثال الذي لم يشهد ابان ثوراته وانقلاباته العديدة أي خلاف طائفي أصبح الناس يُقتلون ويُهجّرون فيه هذه الأيام طبقا لانتماءاتهم الطائفية، مرة أخرى يستخدم التحليل الخاطئ للوصول للنتائج الخاطئة لخدمة قضية ما، ومازلت اعتقد ان التحول عن نظام «25 دائرة» خطأ كبير سنشهد تداعياته في الانتخابات المقبلة والتي تليها، اضافة الى الخطأ الأمرّ والأخطر وهو إقرار الاضراب لا سمح الله.
آخر محطة: يشهد البرنامج الشائق ديوانية الأسبوع لمقدمه الزميل د.شفيق الغبرا الاثنين المقبل لقاء مثيرا حول مشروعية الأحزاب في الكويت نشترك فيه مع الأساتذة الأفاضل أحمد الديين وسيف الهاجري وثلة من شباب الجامعة، وندعو المهتمين بالشأن السياسي لمتابعته.