سعيد محمد سعيد

انحناءة… جميلة!

 

قال المواطن المسكين للمسئول الكبير وهو يدلف إلى مكتبه الفاخر: «طال عمرك، الحياة صعبة، صعبة للغاية! ما عدت قادرا على الاستمرار فيها… بل أنا وعيالي أيضا، لذلك، أرجو منك أن تسمح لنا، أو تمنحنا أو تهبنا قطعة أرض نموت عليها فتصبح لنا قبرا… أي والله يا طويل العمر… طلبتك!؟»

نظر المسئول الكبير إلى المواطن البسيط بعينين حمراوتين تزدادان إحمرارا كلما شد قبضة يده على الطاولة وصرخ: أنت إلى الآن على قيد الحياة؟ ألم تمت في ستين داهية؟ لم أعد أحتمل وجودك هنا، ولا أريد أن أراك في مكان آخر… لا في مجمع تجاري ولا في مجلس من المجالس، بل ولا أريد أن أراك حتى تقف في طابور الخباز إن جاز لي أن أذهب لشراء الخبز و»الباجلة»، مستذكرا تلك الأيام الجميلة التي كنت فيها فقيرا معدما لا أسوى فلسا واحدا… ثم، لماذا أنت واقف أمامي، هيا، انحني ودعني أرى انحناءة جميلة تعيد إلى نفسي البهجة والسرور، فما قادتك رجلاك إلى مقامي هذا إلا من أجل أن «أشوف فيك يوم يا «زالم..؟!».

لم تكن الدموع تترقرق في عين المواطن المسكين، بل كانت تنهمر بسلاسة وهدوء، حتى أنه أخرج من جيبه شهادة وفاة تثبت أنه «ميت»… فلا بيت يعيش فيه، ولا عمل يجد رزقه ورزق عياله منه، ولا أمان في حاضره ومستقبله، وقال يحاول أن يشد طوله: «تريدني أن أنحني لترى انحناءة جميلة… قبح الله عملك… ها أنذا منحني الظهر مذ ولدتني أمي، ألم تلاحظ ذلك؟ هل تراني إنسانا يقف كالبشر الأسوياء المحترمين ذوي الثمن الغالي… منتصب القامة؟ أنا منحني لأنك خنت أمانتك الوطنية، فجعلتني وجعلت آلاف البشر مثلي في بلادنا نسير في انحناء ورؤوسنا إلى الأسفل… لا بسبب حب المذلة والخنوع والخضوع، بل بسبب ما لقيناه منك من ضربات ولكمات وخبايا وخفايا، أنهكت أبداننا وأسقطتنا في هوة الفقر والجوع والضياع… خنت الأمانة التي حملك إياها ولي الأمر، فبدلا من أن تكون صادقا مخلصا، معينا للناس، عملت في الخفاء سنين، وأنت منهمك في إعداد خلطة السم الزعاف… لكن اسمع، ستذوق منه لا محالة، إن لم يكن اليوم فغدا…».

لم تكن عينا الرجل في حاجة إلى إحمرار أكثر، لكن الشرر تطاير منها هذا المرة وهو يستمع إلى ذلك المواطن «المدسوس، الخائن، الجاسوس، «ناكر النعمة» فصرخ محتدا: «شهادة وفاتك هذه أصدرتها بيدي، فإن لم تكن قد مت فعلا… خذ هذه الطلقة في رأسك لتموت في الحال»… وانطلقت الطلقة مدوية، لكنها قتلت وطنا!