سامي النصف

الإسلام الواقعي والمرن هو الحل

اسمى بعض المراقبين الاسلام القائم في تركيا بـ «الاسلام الليبرالي او المرن» لحقيقة تقبله للآخر واختلافه الشديد مع النهج المتشدد الذي جرب في افغانستان وايران والسودان وأدى الى الحروب والهلاك والدمار، وقد كان لنا لقاء مطول مع احدى الصحف الخليجية حول هذا الموضوع.

مما قلناه اننا نرى ان الاسلام الواقعي والمرن والراشد لم يُبتدأ بالأمس في تركيا بل بدأ في ايام الخلافة الراشدة الاولى عندما اوقف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) حد السرقة في عام المجاعة، ثم استمر هذا النهج المحبب للإسلام عند الناس في مرحلة ما بعد الخلافة الراشدة في الدول الاسلامية المتسامحة التي وصلت بالإسلام الى مشارق الارض ومغاربها في وقت كان فيه المتشددون والمتطرفون والخوارج يعيقون جيوش الخلفاء بثوراتهم ولم يعرف عنهم انهم فتحوا ارضا قط.

فمن يقرأ كتاب «بغداد العباسية في القرنين الثاني والثالث الهجريين» الذي ينقل وصفا حيا لعاصمة الرشيد بأقلام من عاصرها من المؤرخين او يطلع على اوضاع الدولة الاموية في الاندلس او الفاطمية بمصر او الحمدانية في سورية ابان العصر الذهبي للإسلام، فسيجد ان اوضاعنا اقرب لأوضاع اوروبا هذه الايام واوضاعهم آنذاك اقرب لأوضاعنا الآن. فقد اوصل تسامح المسلمين الشديد غير المسلمين للمراكز القيادية في الدولة وحافظ على معابدهم وكنائسهم ومنها تمثال بوذا في افغانستان الذي عاش 1500 عام ليفجره نظام طالبان قبل اعوام قليلة، بل وصل التسامح لحد وجود حانات لغير المسلمين في تلك الدول كما يذكر المؤرخون.

ان عالمنا الاسلامي امام مفترق طرق هذه الايام، فإما الاخذ بالتوجه المتشدد ومن ثم إلغاء ومحاربة الآخر والتسبب بقيام الحروب المدمرة الدائمة بين المسلمين حيث ان 99% من قتلى ذلك النهج في العراق وافغانستان هم من اهل الديانة الواحدة، او بالمقابل الاخذ بنهج اردوغان التركي او المثال الماليزي، اي نهج الاسلام التسامحي والتصالحي مع النفس ومع الآخر، وهو النهج الذي نرى انه سيعيد المسلمين لحضارتهم وسابق عصرهم كونه يقوم على العلم والتنوير لا الحرب والتثوير.

وقد نشر المتشدد السابق السعودي منصور النقيدان، الذي كان امام مسجد بالرياض وقام بحرق محلات الڤيديو في التسعينيات، مقالا في الـ «واشنطون بوست» دعا فيه الى التسامح، ومثله البحريني ضياء الموسوي الذي امضى عشرة اعوام في ايران متنقلا بين معسكرات التشدد فعاد هذه الايام عن ذلك الفكر حسب مقال نشرته له بالأمس «العربية»، التجربتان الثريتان تحتاجان لأن يطلع النشء عليهما.

آخر محطة:
في مقابل الاعداد المتزايدة الرافضة للتطرف نجد هناك قلة مريضة متشددة لا علاج لها كالباكستاني عبدالله محمود الذي اطلق سراحه من معتقل غوانتانامو بعد الضغوط الدولية ليقـــوم بالأمس بتفجير نفسه وسط حشد من الناس ليقتل 22 مسلما باكستانيا ويجرح المئات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.