سامي النصف

بالي اللي في بالي

أمضيت الأيام القليلة الماضية في زيارة سـريعة لجـاكـرتا وبالي الاندونيـسيـتين، والأخـيرة زارها وفـد برلماني كـويتي أخيـرا وسـيـزورها بعـد أيام قلـيلة سـمـو رئيس مـجلس الوزراء الشيخ ناصـر المحمـد، وتلك الجـزيرة تعتـبر بحق إحـدى جنات الله في أرضه، بسواحلها البيضاء وبحيراتها العذبة المتكونة على قـمم جبـالها البـركانيـة، التي تختلط فـيهـا زرقة المياه بخـضرة الأشـجار وبياض السحب المتقطعة في السماء.

وقد سبق أن زرت أمـاكنها السيـاحية مـرات عدة في الماضي، والملاحظ هذا العـام هو انخفاض أعداد السـائحين الاستراليين ـ والبـيض بـشكل عـام ـ بسـبـب الأعـمـال الإرهابيـة التي تسـبب بها تنـظيم القاعـدة والتي اتهم بهـا الداعية بابكر باعـشيـر، ما أعطى سمعـة غير طيبة لاندونيسيين من أصول عربـية ممن لم تكن تخلو منهم وزارة في الماضي، وقـد أصـبحت جـمـيع الفنادق والأسـواق تمتلئ هـذه الأيام برجـال الأمن الخـاصين ممن أطلقنا عليـهم اسم «أبناء بن لادن» كـونهم حصـلوا على وظائفـهم غيـر المنتــجـة ـ بعكس أقــرانهم العــاملين في الزراعـة والصناعـة والخدمـات ـ نتـيجـة للأعـمال التـخـريبـية التي قـامت بهـا تلك الشـخـصـيـة المدمـرة في ذلك البـلد المسلم المسالم.

وتمتد جـزيرة بالي 140 كلم من الشرق إلى الغرب، و80 كلم من الشمال إلى الجنوب، ومعدل درجة الحـرارة بها طوال العام هو 28 درجة، ويدين أغـلب سكانها البـالغ عددهم 3 ملايين نسمة بالهندوسية المختلطة بالتقاليد المحليـة مما يجـعلهـا بعـيدة كل البـعـد عن الهندوسـيـة التقليـدية الممـارسـة في الهند، وتسـمى بالي بجزيرة الآلهـة لكثرة المعـابد والتـمـاثيل فـيهـا وقـد دخلت الهندوسـيـة الجزيرة قـبل ما يقارب الأربعـة قرون أي مع دخول الإسلام إلى اندونيسيا.

وقد اعـتبر برنامج السفـر على محطة CNN ذات مــرة فندق الفــور سـيــزن في الجزيرة أجـمل فندق في العالم، مما جـعلني في زيارة سابقة أزوره واسكن فـيه، وقد فتح قبل مدة فندق «بلغاري» الشهير فرعه الثاني في العـالم بالجـزيرة، وهو آية في الجـمـال والفـخـامة ومـعـروف أن الجـزيرة يزورها مليـون ســائح سنويا أغلبـهم مـن اليـابان والصين وكوريـا وروسيا، وسـتفـتح إحدى الشركات الخليجية بعد أيام رحلات مباشرة لها مما سـيشـجع السياحـة الخليجـية على الذهاب إليها.

وقـد التقـيت على العـشاء مـصادفـة بسفيرنا الفاضل مـحمد خلف الذي استغرب مرافقونا الاندونيسـيون قدرته على الحديث بطلاقـة معـهم بلغتـهم رغم قصـر المدة التي قضاها في البلد، والسفيـر الخلف كحال سمو رئيس الوزراء عندما كان سفـيرا، وكذلك عدة سـفراء كـويتيين آخـرين منهم سـفيـرنا في الصين الصديق فيـصل الغيص ممن يملكون القـدرة على الغـوص في المجتمعات التي يعملون بهـا واكتسـاب لغة أهلها مما يسـعد مسؤولي أهالي تلك البـلدان ويؤهلهم لخدمة بلدهم بشكل أفضل.

آخــر مـــحطة:
أهداني ابن قـائد سـلاح الجـــو إبان حكم الرئـيس ســـوهـارتو وسفيرهم اللاحق في واشـنطن كتابا صدر قبل أيام يروي تفـاصيل حقبة حـكمه، وقد اكـتشـفت بعد قـراءته أن إنجاز دولهم قـد فـاق إنجاز دولنا، حــتى عند مـقــارنة الديكتاتوريات بالديكتـاتوريات، فالرئيس سوهارتو قـام بتعمـير اندونيسـيا بشكل ليس له مثيل ـ كـان صدام وأمثاله الآن في منطقـتنا لا يتوقـفـون عن تدميـر بلدانهم بشكل ليـس له مـثـيل ـ وقـد أنـقـذها من الفـوضى العـارمـة والعـجـوزات الماليـة الفادحة والسـقوط في أحضان الشيـوعية المدمرة التي كاد يتسـبب بها خلفه الرئيس الوطني احمـد سوكارنو الـشهيـر بخطبه الحـماسـية الرنانة على الفـاضي، كحـال بعض زعمـائنا الثوريين من خـالدي الذكر على الفاضي!

سعيد محمد سعيد

سنواصل مطالبنا يا «حكومة»!

 

ليس صحيحا إطلاقا، لا على المستوى الشعبي، ولا على المستوى الرسمي، ولا على مستوى النشاط والحراك السياسي في البلد، أن يتوقف المواطن عن المطالبة بحقوقه المشروعة لسبب وجود احتقان ما، أو إسقاطا على ظرف مستجد أو استجواب يناقشه مجلس النواب، أو توجيهات من قيادة البلاد، أو لجملة من الأسباب التي قد نعلمها أو لا نعلمها.

لأن من حق المواطن أن يطالب بحقه، والآن… واليوم، أكثر من أية حقبة مرت بها البلاد، يصبح لون المطالبة بالحقوق الذي يصونه الدستور والقوانين هو اللون المفضل! ذلك لأننا جميعا نعلم بأن المواطن يحمل أثقالا لا تطاق من الهموم والمشكلات والبلايا وهي أثقال يعلم بها أول من يعلم، قيادة البلاد، ثم، وإن تباينت مواقف الوزراء والمسئولين في التعامل مع هموم المواطنين بين مهمل لحق المواطن وآخر حافظ له، سيكون أمامنا الكثير الكثير من العمل في هذه البلاد للوصول الى ما يمكن الوصول إليه من نتائج إيجابية، بعد سنوات طويلة من العمل المضني والشقاء والتعب وتراكم الملفات وغياب العيون الرقابية وحجب العمل البرلماني وتكدس الآلام فوق الآلام… سيكون هناك الكثير، كلما بقي المجتمع مصغيا يستمع إلى صوت العقل، ويمزج المطالبة بالمواطنة، والمواطنة بالولاء، والولاء بالحقوق والواجبات.

هل يمكن أن نغمض أعيننا ونستعيد شريط ذكريات ثلاثة أسابيع أو شهر كامل مضى؟! تتوالى المشاهد عبر ذلك الشريط لكن الصورة الأهم هي تلك الآفاق التي نأمل أن تتسع بين السلطة ومؤسسات المجتمع المدني والشعب، فهناك تصريحات مهمة للقيادة تتعلق بمستقبل البلاد، وهناك اهتمام بالزيارات التي يقوم بها سمو رئيس الوزراء، وهناك زيارات المحافظين للمجالس الأهلية، وهناك اللقاءات التي تعقد في القرى مع المسئولين، وهناك الأحضان التي تفتح للشباب بغرض إغلاق منافذ العنف والاضطراب الأمني، لكن كل ذلك يتطلب نوايا مخلصة لعمل حقيقي وليس لشعارات.

سنواصل مطالبنا يا حكومة عبر الوسائل السلمية… هكذا هي العبارة التي يجب أن يحملها كل مواطن يواجه معاناة… وكلنا كذلك! فلم تعد هناك فائدة للحرائق والدخان وتصنيفات الملثمين والمجهولين والمخربين وتصنيفات أخرى للمطالبين/ المظلومين/ المحرومين/ المسحوقين… هناك في هذه البلاد حقوق وواجبات، وسنطالب بحقوقنا مؤمنين بواجباتنا، لكن على كل الأطراف أن تكون صادقة، فالصدق منجاة… للبلاد وأهلها!

سعيد محمد سعيد

طائفيون متهمون بـ «التمييز»

 

كانت زيارة صاحب السمو رئيس الوزراء للمحافظة الشمالية يوم الأربعاء الماضي، هي الزيارة التاريخية الفريدة من نوعها التي تطرح للمرة الأولى – بحسب علمي – وبكل صراحة وشفافية وسعة صدر، قضية مهمة وحساسة وخطيرة يعاني منها مجتمعنا منذ عقود طويلة: ألا وهي قضية التمييز بين المواطنين ونوابعها الطائفية وتوابعها التجزيئية.

ولربما لم يكن طرح النائب الشيخ حسن سلطان طرحا يدخل من باب استخدام وسائل الدعايات الانتخابية أو إثارة الرأي العام وكسب وده، وإنما انطلق من كون القضية مهمة للجميع: للقيادة والشعب على حد سواء، ولأنه أمام قيادة الدولة… ما يفتح طريقا ميسرا لصراحة تقابلها صراحة، ولهذا أبلغ سمو رئيس الوزراء الجميع بأنه لا يرضى بالتمييز ولا يوافق عليه، ضاربا المثل بالعاملين في ديوانه الذين يمثلون صورة مصغرة للمجتمع.

وقطعا، هذا هو كلام «الرئيس»، وتلك تأكيداته وذلك هو مبدأه أيضا… إذا، من يا ترى الذي يمارس التمييز والطائفية؟ وكيف عاشت هذه الفكرة في عقول ونفوس فئة كبيرة جدا من الشعب البحريني؟ ولماذا لم تسقط وتتهاوى طوال عقود مضت؟

ولعل السؤال الأهم هو: من الذي يحق له أن «يميز» بين أبناء الشعب البحريني في الوظائف والخدمات والأوسمة والهبات والأعطيات وأسلوب التعامل حتى أصبحنا نعاني من مشكلة الطائفية في كل جزء من الثانية في حياتنا اليومية، والأمر لا يحتاج إلى تفصيل؟

هناك من ينتظر الإجابة، ولكن ممن؟ فالحكومة كانت واضحة في التأكيد بأنها لا «تميز»؟ ولعلني املك جزءا من الإجابة، وهو أن هناك أقطابا من كبار الرؤوس في البلد هم المتهمون بالطائفية والتمييز، وهم الذين يمارسون هذا الفعل، وإذا كانت هناك ستائر تسترهم وحصون تحصنهم، فإن لديهم أبواقا من وعاظ السلاطين من التكفيريين والطائفيين، ولديهم جيش من مثيري الفتنة (بفلوس طبعا) ومئات العناصر السرية التي تعمل هنا وهناك…

لكن، ما الحل؟

وأجيب على هذا السؤال من وجهة نظري الخاصة! فليس أمامنا وأمام كل من يشتكي من التمييز إلا أن يكون شجاعا مقداما؟ وإذا ما ضبط ممارسة تمييزية وقعت عليه في عمله، أو وقعت على غيره، فليكن أمامنا القانون نستعين به، ودعونا نجرب، ونرفع الدعوى إثر الدعوى، معززة بالدلائل والوثائق والقرائن وكل ما يقع في أيدينا ويمكننا استخدامه، لنقدم الطائفي إلى المحاكمة، فليس هناك ما يمنع يا جماعة الخير… طالما قيادة البلد ترفض التمييز ولا توافق عليه.

سامي النصف

خلافات ومطالبات وانتشار سكاني واسع

نحتـاج من علماء الاجـتماع في الكويـت البحث في ظاهرتين طغـتـا على الحـيـاة هذه الأيام أولاهمـا وفـرة المطالبات الماليـة لدى جميع القطاعـات العاملة في الدولة وقلة الواجبات، فالجمـيع يطالب ولا أحد يتحدث بالمقابل عن واجـباتهم تجـاه الوطن في وقت تظهـرفـيه الأرقـام انحدارا عاما للأداء في البلد.

بعض إشكالات تلك المطالـبات غـير المبـررة تخلق «شعورا كاذبا بالظلم» يؤدي إلى الإحباط والتذمر الدائم، كحـال من اقتـرضوا أمـوالا من البنوك وإبان سدادهـم ما عليهم ظهرت على السطح مطالبات غيـر عقلانية لإسقاط تلك الديون، وعند الإخفاق الطـبيـعي لذلك المطلب غيـر الطبـيـعي سـادت حالة مـن الغضب والـشعـور بعـدم الإنصاف.

الظاهرة الأخـرى التـي تحـتـاج للدراسـة هي كم الخـلاف فـي المجتمع الـكويتي الذي طغى فـي عـدده ومسبباته غير العقلانيـة على جميع المجتمعات الأخرى، فالأسر والإخوان والأقرباء في حالة خلاف شـديد تظهر عوارضـه فيمـا ينشر على صفـحات الجرائد من قـضايا وحجوزات ومحـاكم، ولو بحث في جذور تلك الصراعات لما وجد في الكثير منها ما يستحق ذلك الخلاف.

ومن ذلك مـا رأيناه فـي السـابق من خـلافـات بين الوزراء أدى بمن يـفـتــرض أن يكونوا «دســتــوريا» متضامنين كحال وزراء الدول الاخـرى الى الكيد لبعضهم البعض عبـر التسريبات الإعلامية والاستجـوابات، كما امتـد الخلاف الـشديد إلى الكتل والنواب، حـتى أن بعض الاستجوابات قد تمت على معطى كـيد كتلة نيابية لوزير جل ذنبه انه مقرب من كتلة نيابية اخرى.

وقد امتد الاختلاف للأسر الاقـتصادية التي تشتهر في العـالم اجـمع بتكاتفـها الـذي تفرضـه مـصـالحهـا المشـتركـة، ثم انسـحب إلى النخب الفكرية والثـقـافيـة والإعلامية والدينية فيما رأيناه منشورا في الصحف ومما يجري لـدى أساتذة الجامـعة ولدى الأطباء والمهندسين والمحامين والطيارين والإعلاميين ورجال الدين بشكل لم نلحظ مثله في صحف دول أخرى، مثل أميركا وبريطانيا، التي يبلغ عدد سكـانها 400 مليون نسـمة في وقت لا يزيد عـدد سكان «أسرتنا الـكويتيـة الواحـدة المختلفة» على مليون نسمة.

ومـادمنا في السكان، تكشـف أرقام الأمم المتـحـدة وصندوق النقـد الدولي الرسـميـة عن زيادات مـخـيفـة للسكان في الكويـت بشكل لا مثـيل له في العـالم اجـمع، حيث تقارب 7% في العـام في وقت لاتزيد بالمعدل على 1% لدى الدول الاخـرى، مما سـيـجـعل عدد سـكاننا يبلغ 4 ملايين نسمـة خلال الثلاثة أعوام المقبـلة على نفس رقعة الأرض ولربما نصف الموارد حـال الانخـفـاض المتـوقع لأسعار النفط والتعثر المعتاد لخطط التنمية التي يفترض ان تخلق البـدائل لمـداخيـل النفط، مما يمهـد لمضـاعـفـة إشكاليات الجريمة والبطالة والازدحـام المروري ولربما حتى تفشي الفقر.

آخر محطة :
قد يكون عـددنا ككويتيين أقل مـن مليون ولكننا ننتـشـر في العالم بشكل أكـثـر من جيـد، واليكم الأمثلة التـي تثبت ذلك: العمليـات الإرهابية الأخـيرة في الجزائر حـدثت على بعد 300 مـتر من السيـد عبـدالعزيز البـابطين الذي كـان في طريقـه للمطار، أحداث المغـرب الأخيـرة حدثت كذلك بالـقرب من السيـد عصام الصـقر، أحداث جـامعـة فيرجـينيا تمت في المبنى الذي يـقيم به الطلبة الكويتيون، وخطاهم جميـعا السوء وما يشوفون شر.

سعيد محمد سعيد

خرب… يخرب… مخربا!

 

لعلني أميل إلى الصوت الذي يطالب بالاستماع الى ما يريده الشباب الذين توجه إليهم أصابع الاتهام بالحرق والتخريب وإشعال البلاد، في تأجيج مسرف تجاه تغييب الاطمئنان وبث الشعور بالخوف والرهبة وعدم الأمان… أقول إنني أميل إلى ذلك الصوت من ناحية استخدام مفردة «الاستماع»، لكن ليس من المعقول أن يكونوا هم الطرف المقابل للتحاور أو للاستماع… هذا لا يمكن إطلاقا من عدة نواح أهمها:

– أنه، ومن باب معرفة وقرب وتفهم، فإن أولئك الشباب في بعض قرانا وأحيائنا السكنية ليسوا سوى طلبة مدارس إعدادية وثانوية ويشاركهم أحيانا بعض طلبة المرحلة الابتدائية، وفي بعض الأحيان يشاركهم المتسربون من التعليم وقليل من العاطلين «الصغار في السن»… فالمسألة لم تتعد مساحة إيجاد برنامج للتنفيس يكون مهربا من الوضع المعيشي أو الأسري من خلال دوي اسطوانات الغاز أو لون دخان الإطارات المشتعلة.

– ثانيا، وهذا جانب مهم، هو أنك ستعرف حينا من يكون أولئك الفاعلون الملثمون، وستسمع حينا آخر أنهم ينتسبون إلى هذه الجهة أو تلك، وهنا، فمن واجب الأهالي أولا إيقاف الشباب الذين يلوذون بالحرائق – بتصرفهم – من دون موجه أو قيادة علمائية، وثانيا، العمل على القبض على المشتبه بهم ممن يقول البعض عنهم إنهم ينتسبون إلى الداخلية أو المخابرات أو أية جهة. نعم، ما المانع من أن يقبض عليهم الشباب الأشداء في القرى وهم كفء لهذا العمل، ثم يقدمونهم للمساءلة القانونية بمعرفة الوجهاء وممثلي الشعب؟

على أن ما تقدم، لا يحرم هذه الفئة، التي تود أن توصل صوتا، هو من حقها في المطالبة المشروعة، ولكن ليس من خلال تدمير ذاتهم ومستقبلهم ومجتمعهم وبلادهم. لقد تابعنا الشباب الأربعة الذين اعتصموا بسلام أمام وزارة الداخلية يطالبون بوظائفهم… ألم يصلوا إلى نتيجة بهدوئهم ووجدوا من يأخذ بيدهم؟

نحن، نريد أن نوصل صوت من له مطالب، ولكن من خلال التحاور بين النواب والناشطين والوجهاء والعلماء، ومن حقنا أن نتحدث عن البطالة والفقر وسوء الحال المعيشي، وليس صحيحا أن نجلس مع طلبة تسربوا من التعليم وفضلوا طريق التسكع والعنف لنسبغ عليهم صفة البطولات ثم نتورط بهم وهم يتحكمون في الديرة… بل يقارعون حتى علماء الدين.

الصحيح، هو أن العلماء والوجهاء والفئات المثقفة في هذه القرية أو تلك، أعلم بمطالب الناس ومبتغاهم، ويدركون أسباب أية ممارسة ودوافعها وحلولها، وهؤلاء من يجب أن يكونوا طرفا مهما لدى السلطة… للحوار!

سامي النصف

أفلام أبيض وأسود

(JUDGMENT AT NUREMBERG 1961) فيلم سياسي من الطراز الأول يستحق إعادة مشاهدته هذه الأيام لمقارنة محاكمات نورمبيرغ التي قام على محاضرها الفيلم مع محاكمات العراق، ففي الحالتين هناك الجدل الفلسفي حول مسؤولية من هم في مواقع المسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية، وهل يجوز العفو عن البعض منهم بحجة أنهم مرغمون أو لأجل كسب ود الشعب الألماني (العراقي) كي لا يقف ضد الاحتلال أو لدعم الأميركان ضد الروس (الإيرانيين)؟ كما يطرح الفيلم مسؤولية الشعب الألماني عن جرائم احتلالهم للدول الأخرى، فيلم حاصل على الأوسكار ويستحق حقا المشاهدة خاصة المواجهة في نهاية الفيلم بين القاضي الأميركي سبنسر تريسي والقاضي النازي بيرت لانكستر.

فيلم (TEA HOUSE OF THE AUGUST MOON 1956) فيلم آخر يستحق المشاهدة والمقارنة مع ما جرى ويجري في العراق، حيث يصور بشكل رائع كيف استطاعت الولايات المتحدة تغيير الثقافة السائدة في اليابان المعادية للديموقراطية والعاشقة للحرب والقامعة للمرأة ويظهر الفيلم كيف أرسلت أميركا البعثات والمترجمين لكل قرية وسهل وجبل لتغيير تلك المفاهيم وتحويل حب الانتحار والاستشهاد إلى حب للحياة.
 
فيلم (SEVEN DAYS IN MAY 1964) في الفيلم تنبؤ بما حدث بعد أحداث سبتمبر 2001 مما يعني أنها لم تأت من فراغ، بل كانت موجودة دائما في أذهان رجال الپنتاغون، ففي ذلك الفيلم السياسي يرى الجنرال بيرت لانكستر ان محاربة السوفييت تقتضي مصادرة الحريات والسماح بعمليات الاعتقال والتنصت وان الحفاظ على الحريات العامة والالتزام بالقانون سيخسرهم الحرب مع الأعداء، في ختام الفيلم يواجهه جنرال آخر هو كيرك دوغلاس الذي يقول له بعد عزله وإبعاده إذا قمنا بتلك الأمور فما الفرق بيننا وبين العدو الذي نحاربه.
 
(BILLION DOLLAR BRAIN 1967) إذا كان هناك من يتهكم على عقلية الرئيس الأميركي هذه الأيام فهذا الفيلم يروي حكاية قائد يميني اميركي متطرف من تكساس شديد التدين ويستشهد بمقاطع من الإنجيل طوال الوقت ويرى ان الحرب ضد السوفييت قائمة على معطى الأخيار والأشرار ومن ليس مع أميركا من الحلفاء في تلك الحرب فهو ضدها.

(DREAM WIFE 1953) من يعتقد ان المرأة الكويتية لم تصل شهرتها للعالمية منذ وقت مبكر فعليه مشاهدة هذا الفيلم الذي يروي قصة رجل الأعمال غاري غرانت غير السعيد بزوجته الأميركية المتحررة والتي تمضي جل اوقاتها في الدفاع عن الحقوق المدنية للنساء فتفرض عليه الخارجية الاميركية الزواج من خليجية تظهر الخريطة أنها كويتية حتى لا تنقطع إمدادات البترول من بلدها بعد قطعها من إيران آنذاك، ويجد غرانت في تلك الزوجة الشرقية الجديدة المتربية على خدمة الزوج وإسعاده كل ما يفتقده في زوجته الأميركية وتمضي قصة الفيلم الكوميدية على هذا المنوال المقارن بين الزوجتين المتحررة والمحافظة.

سامي النصف

بطولة وأبطال

قد تكون إحـدى سمات الألفيـة الثانية والقرن الجـديد الاعتماد الشـديد على ضعف ذاكرة الناس، ومن ثـم تمجيد وتعظيم قـيادات أمـثال صدام وعـرفات ممن أسـاءوا بشدة لقضايا شعوبـهم وأمتهم وأودوا بهم للمهالك والكوارث والمصائب، ثم تسويقـهم فيما بعد على انهم ابطال مخلدون دون الإتيان بدلالات وشواهد على تلك البطولات المدعاة.

ليس هناك في التاريخ أسوأ من النظام الشمولي القمعي الذي وصل لسدة الحكم في الاتحاد السوفييتي، ليس كنتيجة لانقلابه على حكم القياصرة كما يعتقد البعض، بل عقب انقلابه على الحكومة الديموقـراطية التي انتخبت بعد سقوط حكم القـياصرة، هذا السوء في الماضي حـاله كحال سـوء حكم البعث الأسود في العراق يوجب أن يكون البـديل عنه شيئـا موجبا يعـزز التنمية وتوفير العـيش الكريم للشعوب المضطهـدة كي لا يترحم احد على الأوضاع الإجرامية السابقة.

لحق قبل أيام الرئيس السـابق بوريس يلتسين برفيـقيه صدام وعـرفات إلى الدار الآخرة، وقد كـان باستطاعة يلتـسين إبان حكمه أن يقوم بعمليـة متدرجة للتـحول من الشيوعية البغيضة إلى الاقتصاد الحر، كما هو الحال في الصين ودول أوروبا الشرقية، بدلا من وضع مصـير دولة عظمى بيد منظر لم يتجـاوز عمره الثلاثين هو ايـغور غايدر الذي آمن بأسلوب العلاج بالصـدمة فشهد الاتحـاد السوفييتي الصـدمات العديدة دون علاج.

لقد قرر الرئيس الراحل يلتسين عقب انتصاره في أحداث 19 أغسطس أن يقبل بتفكيك الاتحاد السـوفييتي رغم إعـلان 76% من الشعوب السـوفييتـية في استفـتاء حر رغبـتهم بالبقاء موحدين، وهو ما تسبب بوجـود 50 مليون روسي في الجمهوريات التي انفصلت، إضافة إلى 100 مليون مـهددين بالموت جوعا أو من البرد كنتيجة للانهـيار السريع للعملة التي تدهور سعر صرفها من روبل للدولار إلى 28 الف روبل للدولار الواحد، ما رفع أسعار الحاجيات الأساسية بنسب خرافية، حيث ارتفع سعر الخـبز خلال عام 4300% والحليب 4800%، كمـا هبط الإنتاج الزراعي والحيـواني والصناعي بأكثـر من الربع، وقل حتى عن إنتاج ما قبل ثورة 1917.

وقد كـانت السنوات الأربع الأولى من حكم يلتـسين، كمـا يروي احد الباحـثين وبالا على روسيا، حيث ارتفعت معدلات الوفيات بصورة مذهلة، وانخفضت تبعا لذلك معدلات الأعمار العامة حـتى وصلت إلى الخمسينيات، وزاد عدد ضحايا المـوت غير المبرر عن عدد الضحايا الروس في الحـرب الكونية الأولى، كما عادت أمـراض خطيرة كالسل والزهري، وزادت معها أعداد ضحايا الإيدز والتسمم الكحولي لأرقام غير مسبوقة في التاريخ.

وفي عـهده بدأت كـذلك ظاهرة تخلي الأسـر عن أطفـالها لعـدم قـدرتها على تحـمل تكاليفهم حتى تجاوز العدد 115 ألف طفل كل عـام، وبإجمالي جاوز المليون طفل، وقد أدمن الرئيس السـابق الشراب بصـورة مخـجلة، فـفي عام 94 وإبان الانسـحاب المذل للجـيش الروسي من ألمانيا التي دخلها منتصرا عام 44 أبى الرئيس إلا أن يبدأ الشراب منذ الصباح، ثم أضاف المزيد منه علـى وجبة الغداء، مـا أفقده توازنه بـالكامل، فقام بعـمل مجنون هو طرد قائد الأوركسترا العـسكرية والقيام بحركات تهريجية جعلت الفـرقة توقف أعمالها، ولم يشهد العـالم موقفا مخجـلا ومذلا كهذا، وقد أسقـط ذلك الموقف آخر الكبرياء الروسي الذي تغـزل ساسـته ومـفكروه بالانتصـار الروسي على ألمانيا النازية ودخول الجـيش الأحمر عاصمتها برلين.

آخر محطة :
ضـمن النهج الجديد للبطولـة المعتـمد كليـا على ضعف ذاكـرة الشعـوب ستمجد للأسف أجيال العرب المقبلة الكثير من القيادات العربية الثورية المدمرة .